-A +A
أحمد عجب
لو كان لدى (التحرش) منظمة أو جماعة حركية، وشاهدت حادثة الفتاتين التي وقعت قبل أيام على كورنيش جدة والتي وصفت بأنها (حادثة تحرش جماعي)، لأصدرت على الفور بيانا توضيحيا تخلي فيه مسؤوليتها عن الواقعة وتتبرأ من جميع المشاركين فيها، أتوقع بأنها ستشير في ديباجة بيانها إلى تفاصيل الخبر الصادم، ثم تعكف بعد ذلك إلى نفي علاقتها بما حدث، موضحة في ثنايا بيانها أن (التحرش) يفترض أن يقوم على معايير سليمة ومدروسة، نظرة متفحصة أو تعابير مغرية أو تعليقات لطيفة أو اهتمام مبالغ فيه، في حين أن الحادثة التي رأيناها تجاوزت ذلك بكثير وكأننا أمام مجموعة من الحيوانات المفترسة التي ضيقت الخناق على فريستها وكانت مستعدة للانقضاض عليها قبل أن تفرقها أصوات أعيرة النيران، كما أنني أتوقع، بأن بيان الجماعة لن ينسى في نهايته التنديد بهذا الفعل المشين، مناشدا الجهات ذات العلاقة سرعة إصدار قانون مكافحة التحرش حماية لسمعته ومصالحه!؟
الغريب في الأمر، أن المنتمين للتيار المتفتح، الذين دائما ما يكررون على مسامعنا سؤالهم المبطن (إلى أين يذهب الشباب؟!) مغلفين بذلك امتعاضهم الشديد من الإجراءات الصارمة التي تتخذها بعض الأسواق و المنتزهات حين تحصر الدخول إليها في (العائلات فقط)، هم أكثر من يدعون إلى ضرورة سن قانون مكافحة التحرش، في حين أن المنتمين إلى التيار المحافظ، الذين دائما ما يؤكدون على حرمة الاختلاط لما قد يسفر عنه من فتنه ووقوع في الحرام (لا قدر الله)، هم أكثر من يرفض سن قانون مكافحة التحرش، فهل المسألة عناد أم (تحرش) بعقولنا من أجل الظهور ولفت الانتباه؟!، إننا أمام ظاهرة خطيرة للغاية، تحتم علينا التفكير بكل جدية وحياد من أجل الوصول إلى حل صارم يوقف تكرار مثل هذه الأحداث المخلة بقيمنا وأخلاقنا وتعاليم ديننا.

في اعتقادي أن المشكلة التي يعانيها مجتمعنا مع (التحرش) لا يمكن حصرها في عدم وجود قانون لمكافحة هذه الافة فنحن لا يوجد لدينا قانون جنائي ومع ذلك تنفذ أحكام الحد والتعزير والقصاص سواء في النفس أو ما دون النفس ثم إن قانون مكافحة التحرش الذي قام مجلس الشورى بسحبه بعد عرضه ومناقشته مع الأعضاء مدة خمسة أشهر لا أتصور بأنه سيحل ولو جزءا بسيطا من المشكلة لأن عقوبة السجن أو الغرامة المالية الواردة فيه لن تصلح حال الشاب من جهة ومن جهة أخرى لن تكبده أي مشقة لجمع المال فهناك العائلة والحمية ستدفع عنه لإخراجه من هذه الورطة، ما نعانيه حقا، هو الواسطة التي ما أن يتم تحديد هوية المتحرش حتى تفرز مفعولها مثل السم الزعاف فتنتشر وتقضي على كل مناعة أو مقاومة تنوي محاسبة الشاب ووضع حد لتصرفاته الطائشة!!
ما نعانيه حقا، هو عدم إصدار عقوبة عاجلة ومباشرة على المتحرش كالجلد في نفس المكان الذي أرتكب فيه حماقته، مع التنبيه عليه بأنه في حالة العودة سوف تغلظ العقوبة الأصلية ويضاف إليها عقوبة تبعية تتمثل في التشهـير به، حينها سيفكر الشاب ألف مرة قبل أن يتميلح، أو يحاول الإيماء أو النظر للفتاة ناهيك عن التفكير في الاقتراب منها أو محاولة لمسها، وفي المقابل لن تجد الفتاة المتبرجة من يفتن بها أو يحوم حول حماها فكل الشباب ينظرون أمامهم وقاعدتهم المفروضة عليهم غصب هي (اللي ما ترضاه على أختك لا ترضاه على بنات الناس)!؟.