-A +A
أحمد عجب
يقول الخبر: أرسلت الهيئة الابتدائية لمكتب العمل بإحدى المحافظات، طلبا إلى الجهات المختصة، لإحضار مدير شركة تتولى تنفيذ مشروع لوزارة المياه، بالقوة، وذلك لتأخيره صرف رواتب 42 عاملا لمدة 10 أشهـر. وقرر عمال الشركة رفع شكواهم إلى وزارة العمل والتوقف عن مباشرة عملهم، لحين الحصول على رواتبهم المتأخرة، أو منحهم تأشيرات خروج نهائي، مؤكدين في عريضة شكواهم تزايد معاناتهم هم وأسرهم إثر تأخر رواتبهم، ووفق الخبر فقد تمت مخاطبة الجهات الرسمية لإحضار صاحب الشركة أو من ينوب عنه بالقوة الجبرية بعد رفضه الحضور لحل المشكلة وديا بمكتب العمل !؟.
يا الله، لحظة من فضلكم، لأنني أحتاج قبل الشروع في الكتابة وقبل البدء في تحليل هذا الخبر الفاجعة، إلى تناول حبتين بنادول مع رشفة ماء، فتأخير أجور العمالة وهضم حقوقهم بات أشبه ما يكون بالصداع المزمن، الذي يكاد يقسم رأسك نصفين من شدة الألم ومع هذا لا تتحمس للذهاب للطبيب لأنك تعرف جيدا الوصفة التي سيكتبها، فهي لن تخرج بأي حال من الأحوال عن العلاج المسكن الذي تملكه أصلا أو اتباع تمارين اليوغا أو التدليك أو الوخز بالإبر !!.

إن أكثر ما هزني في هذا الخبر الكوارثي هو استمرار تأخير صرف أجور العمالة كل هذه الأشهـر الطويلة، مما يعني معه ذلك خوفهم الشديد من فكرة تقديم شكوى ضد مدير الشركة لاعتقادهم بأن شكواهم قد تنقلب عليهم فيخسرون كل شيء ، قد يفسخ عقودهم، قد يرحلهم بين عشية وضحاها، قد يدبر لهم تهمة أو مكيدة فترمي بهم إلى المجهول، وربما ازدادت شكوكهم يقينا حين ماطل وسوف ورفض الحضور أمام الجهة المختصة على الرغم من توجيه الطلب إليه أكثر من مرة، وكأني بأحد العمالة يجلس متململا بصالة انتظار الجلسات وينظر إلى زميله الآخر ويقول له (هزا هرامي كبير)!؟.
ما هزني في هذا الخبر أيضا، تلك الممارسات التي استشففتها من فداحة المضمون، فإذا كان هذا المدير لم يشفق على أوضاع العمالة الإنسانية، منهم من يتضور جوعا، ومنهم من أنهكه المرض، ومنهم من أبلغ بوفاة زوجته ولم يتمكن من حضور مراسم دفنها، إذا كان قلبه لم يرق على أي منهم فهل يرق قلبه على أفراد المجتمع وظروفهم أفضل بكثير، كيف رسي عليه العطاء للمشروع الذي يشغل فيه هذه العمالة المحرومة؟!، هل نتوقع بأنه كلف نفسه بتوقيع عقد إشراف هندسي لضمان تنفيذ المشروع وفق الرسومات والمواصفات؟!، هل ننتظر منه الحرص على أن ينجز العمل خلال المدة المطلوبة؟!، هل يعقل بأن يظهـر المشروع في النهاية على أحدث طراز معماري أو حتى بأدنى مقومات السلامة؟!، إنها مجموعة من الأسئلة المضرة التي لا ينصح بتدويرها في رأس من يعاني صداع الإجحاف المزمن لأنها تزيد من حدته وتفاقم من سوء الحالة !؟.
مثل هذه الممارسات التي ارتكبها هذا المدير والتي تسيء لسمعتنا جميعا وقد تسيء لبلدنا أمام منظمات حقوق الإنسان العالمية، لا تنفع معها الحلول المسكنة بل الجراحة العاجلة وإن لزم الأمر الاستئصال الكلي، ولن يتسنى لنا ذلك إلا باعتبارها (من الجرائم الموجبة للتوقيف) ويكفي لوقوعها تأخير أجر العمالة أو أي منهم لثلاثة أيام فقط، عندها يتم اقتياد ( المدير الكبير ) هو ومشلحه أو صديريته وإركابه الجيب ونقله لأقرب مركز شرطة، ولا يفرج عنه إلا بوفائه بجميع الحقوق وتوقيعه على تعهد بالتعويض المادي المجزي في حالة العودة، حينها نستطيع القول بأن الصداع فك عنا شويه وبدأنا نرى بعض الأشياء الفاعلة والجميلة..