-A +A
أحمد عجب
قرأت قبل مدة عن طبيعة الحياة البسيطة التي يعيشها عدد من أثرياء هذا العالم، ومنهم المكسيكي كارلوس سليم الذي كون ثروته من مجال الاتصالات حتى بلغت 74 مليار دولار، ومع هذا لا يزال يقود سيارته المرسيدس القديمة بنفسه ويعيش في منزله المتواضع منذ 40 عاما، كذلك رجل الأعمال إنجفار كامبراد (مؤسس شركة إيكيا) الذي أوضح بأنه متى احتاج للذهاب لمهمة عمل فإنه يسافر عبر الدرجة السياحية وإذا أراد قضاء حاجياته من المدينة فإنه يستقل الحافلة للوصول إلى وجهته، أما تشاك فيني الملياردير الأمريكي فقد ذكر بأنه يشتري ملابسه من محال غير فاخرة ولا يملك أكثر من زوج واحد من الأحذية، وقدر ربى في أولاده هذه الطريقة !؟
دائما ما نسمع الإشادة بمثل هؤلاء، وبأنهم ناس أصيلون لم تغيرهم المادة ولم تغرهم ملذات الدنيا، أما إذا نسي ذلك الجار الاهتمام بمظهره أو غرته مشاغله اليومية عن تغيير موديل سيارته، فسينعتونه على الفور بالبخيل والجلدة، هم نفسهم الذين يرددون في كل مرة شعارات براقة مثل (الفلوس لا تجلب السعادة) أو (الفلوس وسخ دنيا) وهم في حقيقة الأمر تركوا بلدانهم واختاروا الغربة مقرا لهم، فقط من أجل الحصول على أجر أعلى، هؤلاء الذين أزعجونا بمثاليتهم الزائفة الداعية إلى تهميش أثر الفلوس على الحياة، سرعان ما تلاحظ التغيير الحاصل في نفسية وهيئته كل منهم وربما نوع سيارته ومقر شقته لا لهبوط ثروة كبيرة عليه وإنما لمجرد حصوله على ترقية أو علاوة سنوية !!

للتسويق لهذا التصور المغلوط، يتم إبراز صورة طفل فقير يبتسم، وقد كتب تحتها (هذه هي السعادة الحقيقية) لا يا شيخ، يعني ما شفت من الصورة غير ابتسامته، أبدا ما شفت جدار منزله الخرب ولا لمحت وجهه الأغبر وشعره الأشعث وملابسه المهترئة، تركت معالم حياته القاسية وركزت على لحظة عابرة ربما صنعها ذلك المصور بوضعه حلوى في يد الطفل، طيب إذا أنت شايف أن هذه المنطقة التي يعيش أهلها تحت خط الفقر، هي الموطن الحقيقي للسعادة، ما رأيك بأن تنتقل للعيش فيها، ولن يكلفك ذلك شيئا، بالعكس ستكون مطالبا بالتخلي عن كماليات كثيرة، لماذا سكت الآن، ولما كل هذا الحقد الذي يشع من عينيك، وأين ذهبت ابتسامتك؟! الفلوس مش كل حاجة، كيف بالله عليك، ولولاها لما أراق ذلك الرجل ماء وجهه أمام معارفه وهو يطلبهم السلف لولاها لما انجرف ذلك الشاب في طريق الهلاك باحترافه السرقة وبيع المخدرات، لولاها لما تفشى الفساد الإداري، لما قرأنا عن زواج ثمانيني من عشرينية، لما سمعنا بالقصاص من مواطن قتل أخاه لخلاف مالي، لما تصدرت قرارات الإسكان وصندوق التنمية العقارية قائمة الأخبار الأكثر قراءة، لما فجعت الدول المصدرة واهتزت مكانتها جراء هبوط أسعار النفط والأسهم والذهب، لما وضع ذلك المليونير حدا لحياته بعد أن خسر إللي وراه وإللي قدامه في آخر صفقاته الاستثمارية، إنها غيض من فيض لأدلة قاطعة وملموسة، تؤكد بجلاء أن الفلوس اليوم هي كل حاجة.