-A +A
أحمد عجب
صباح أمس، وأنا في طريقي للعمل، انتابني ملل شديد بفعل زحام المركبات وموضة (اليوتيرن) المستفزة التي حولت شوارعنا إلى ما يشبه اللعبة الشهـيرة (أعرف الطريق الصحيح)، لهذا أدرت جهاز الراديو على إحدى الإذاعات المعروفة، ليهاجمني على الفور صراخ ذلك المذيـع الشاب وضحكاته الهستيرية، التي لم تكد تسلم منها طبلة أذني إلا عندما كرر عليه الكونترول التنبيه بضرورة العودة لأخذ اتصال جديد، كانت المتصلة هذه المرة تتحدث بثقة زائدة وسعادة لا توصف عن خبر تكريم دكتورة سعودية لتفوقها على العالم المعروف (اينشتاين) حينها لم يتمالك المذيـع نفسه ودخل في نوبة ضحك وهو يصفق ويقول (أينشتاين مرة وحدة)!؟.
أنا أيضا لم أتمالك نفسي من الضحك، وأتصور بأن السيارة التي كانت تسير بجانبي ضحكت هي الأخرى وضحك معها الرصيف والشجر واللوحات الإرشادية وعيون القطط، خاصة بعد أن عرفنا نوعية وحجم الإنجاز العلمي الذي حققته تلك الدكتورة، والذي يتلخص في ابتكارها فكرة التعاون مع إحدى الكليات على جمع أكثر من 1500 طالبة تحت سقف واحد ومن ثم قامت بمفردها بتصحيح إجاباتهن في ظرف ساعتين فقط وأنها بذلك رشحت للدخول في موسوعة جنيس، وهنا لا أدري حقيقة ماهي الفائدة المرجوة التي ستعود على البشرية من هذا العبث؟! وما الذي كان سيحصل لو أنها أعطت الفرصة لبقية زميلاتها الاكاديميات ليساعدنها!؟، وما الذي كان سيتغير أصلا لو أنها أخذت يومين أو حتى خمسة أيام لتصحح فيها كراريس الطالبات على مهلها ثم تعلق نتائجهـن؟!

البرت اينشتاين يا دكتورة (عذرا بعطلك شويـه عن التصحيح) برع منذ طفولته في علم التفاضل والتكامل، هو من اكتشف نظرية النسبية وغير بمعطياتها التاريخ كله، كان يحمل دماغا أكبر من المعتاد وكان يفكر بالصور بدلا من الكلمات مما بسط له أعقد القوانين الرياضية، هو العالم الذي نعيش إلى اليوم في حدود نظرياته فكل شيء من حولنا بدءا من الخلايا الكهروضوئية إلى الموصلات إلى الليزر إلى رحلات المكوك الفضائية إلى القنابل والمتفجرات جميعها تعتمد على أفكاره، لم يكتفِ بذلك بل عاش العزلة في آخر حياته مكثفا أبحاثه حول معادلة الكون (كل شيء)، بعد هذا كله كيف يأتي من يستخف بعقولنا ليقارن نفسه بهذا العالم العبقري، إحنا وين والبرت اينشتاين وين؟!.
يقال بأن أينشتاين كان في طريقه لإحدى المحاضرات العلمية، فقال له سائقه : أعلم يا سيدي أنك مللت منها فما رأيك أن ألقيها اليوم بدلا عنك خاصة أن شعري منكوش وشنبي كثيف مثلك، وقد استمعت إلى محاضراتك ولدي فكرة لا بأس بها عن النظريـة النسبية، هنا أعجب أينشتاين بالخطة وتبادلا الملابس، فوصلا إلى قاعة المحاضرة حيث وقف السائق على المنصة فيما جلس أينشتاين في الصفوف الخلفية، وسارت المحاضرة إلى أن وقف بروفيسور وطرح سؤالا ثقيلا ومحرجا، هنا ابتسم السائق وقال له : سؤالك هذا ساذج إلى درجة أنني سأكلف سائقي الذي يجلس في الخلف بالرد عليه، وهنا تصدى له أينشتاين وقدم ردا مفحما. ولهذا نقول: من الذكاء أن يعود الإنسان لعقله وأصله حين يدرك خطأه، ولو أن أحدا من ربعنا جلس على تلك المنصة لكابر وصدق نفسه وربما كلف معقبه بأن يأخذ معه (العالم العبقري) الذي ينتظر بالخارج عند السيارة لإتمام إجراءات استقدامه على تأشيرة سائق!!.