-A +A
أحمد عجب
حتى لوحة الكيبورد التي أكتب عليها، احتاج في هذه الأثناء للضغط اكثر من مرة على الحرف ليظهر على الشاشة وتكتمل العبارة، وكأن هذا اللوح المعدني خنقته العبرة من هول الصدمة، وأي صدمة، طفل بريء لم يتجاوز عمره الست سنوات يذهب ضحية الإهمال واللامبالاة، حين ترك وحيدا في الباص من الصباح إلى الظهر دون أن يتنبه إليه أحد، ففاضت روحه بفعل حرارة الطقس وانعدام الأوكسجين، وكل ذنبه، أنه اراد تعلم الحروف الأبجدية والاعداد الرياضية، ليشق طريقه في الحياة، فتلقى درسا مرعبا للغاية وحصة لخصت المنهج كله!؟
هل تم تدريب سائق الحافلة على كيفية التعامل مع التلاميذ في هذه السن وهو ينقلهم من وإلى المدرسة؟! يبدو هذا السؤال غبيا وهامشيا قبل وقوع الحادثة، فكل ما في الأمر أن ينتظره امام المنزل ليصعد معه ثم يقف به أمام المدرسة لينزل بنفسه (وهكذا تنتهي المهمة)، لكننا اليوم ونحن نقف على فصول الفاجعة، نرى بأنه كان يتوجب عليه أن يحصي اسماء من يصعدون معه للباص في كل مرة، كان لزاما عليه الاستعانة بمرافقة (دادة)، كان يجب عليه عند الوصول لمحطته الأخيرة الصعود لمقصورة الركاب للتأكد من خلوها، كان عليه أن يظل متيقظا وحريصا طوال الوقت لأنه يتعامل مع اطفال من المبكر جدا الاعتماد عليهم، فهل نلومه الآن، أم نلوم من اهمل تدريبه وتهيئته؟!

إدارة المدرسة أيضا، ليست في منأى عن المساءلة، ولو أن اتصالا أو رسالة مبكرة وردت لهاتف الأب أو الأم تستفسر فيه عن سبب غياب ابنهم، لكانت كفيلة بإنقاذ حياته، وكل ما يمكنني توقعه، أن ذلك الباص لو كان ينقل بدلا من أرواح الطلاب البريئة «ربط» الرسوم الدراسية، لما تركت أي ربطة ساعة واحدة، ولشعر بغيابها كل المعنيين بالمدرسة وهبوا على الفور إلى المواقف لإنقاذها، وسيجدون امامهم سائق الحافلة يبحث بين المقاعد بداعي الترتيب فيما يرقبه من خلف القزاز رئيس الجهة التي يعمل بها!!
لقد ظهر والد الطفل الضحية (ربنا يجبر قلبه وقلب والدته) وهو يسند رأسه على المقعدة غارقا في بحر الأحزان، لقد رحل ابنه الوحيد (عبدالملك) رحل ولن يعود، هكذا هو يقرأ الحكاية، فلن تعيده أي من الإجراءات المتخذة، ولن تعيده الإدانة أو حتى البراءة لأي من المتهمين، ولن تعيده أيضا هذه الأسطر المتواضعة، لأننا منذ زمن لا نتنبأ بالكوارث ثم نتخذ التدابير اللازمة حيالها، وإنما نتركها هكذا حتى تقع، ثم نتسابق على أخذ لقطة مؤثرة مع الضحية، لقطة قد تأتيك في هيئة خبر أو تصريح أو مقالة تحاول مواكبة الحدث، لقطة عابرة سرعان ما تختفي من عقولنا وتحذف كليا من أجندة اهتماماتنا، تماما كما يحدث ذلك مع صور وفيديوهات (السناب شات)!!