-A +A
أحمد عجب
في ظرف أسبوعين، حصلت هناك حالتا اختطاف، إحداهما للطفلة جوري بالرياض، والأخرى للطفل محمد العنزي بمدينة القريات، ونحمد الله على عودة كل منهما إلى أحضان والدتيهما سالمين معافين، بعد أن هز خبر اختفائهما مشاعر المجتمع، الذي أبدى تعاطفا كبيرا مع الحالة الصعبة لذوي الضحيتين.
في القصتين، تظهر الأم المسكينة وهي تكفكف دموعها حزنا على فقد حشاشة جوفها، في القصتين تظهر شجاعة وقدرات الأجهزة الأمنية مقرونة بالجهد المبذول والنتيجة المرجوة، في القصتين تظهر أسماء الضحايا وألقاب عوائلهم دون أي محاذير نظامية أو خرق للأعراف الصحفية، وحده (المجرم) الذي يغيب في القصتين عن المشهد وينفذ بوجهه وماهيته ولا يجوز التعرف عليه!؟

أكبر سؤال يشغل الشارع، سواء في مثل هذه الجرائم أو الجرائم الأخرى المتعلقة بالفساد أو السرقات أو خيانة الأمانة، هو شخصية الفاعل أو العقل المدبر أو من يقف وراءها، وما هي دوافعه وأهدافه، ومع ذلك تأتي نهاية القصة معلقة ومتروكة لاستنتاج وذكاء المتابعين، وهو نوع من الإثارة والتشويق لطالما انتهجته الأفلام والمسلسلات العربية التجارية حتى لا يصاب المشاهد بالملل، وحتى تكون هناك فرصة لإنتاج أجزاء أخرى من العمل، أما الواقع فيفترض فيه أن تأتي نهايته واضحة المعالم، وأن يجد المتابع الإجابة الشافية لأسئلته دون أي تحفظات، وإلا فإن المجرم لن يتوانى عن العودة لارتكاب نفس الأفعال بمجرد تنفيذه المدة المقررة للعقوبة ويساعده في ذلك عدم معرفة الناس بشخصيته !!
من جهتي حاولت أن أفك هذه الشفرة غير المفهومة وأعيد تحويل البيانات إلى صيغتها الأصلية حتى يمكن التعاطي معها، أول عقبة وجدتها أن أغلبية الناس يلقون باللوم على وسائل الإعلام، لماذا تنشر أحداث الجريمة باستثناء اسم الجاني، لكن هذا لم يكن المفتاح المطلوب، فأنظمة الإعلام تمنع التشهير بالأسماء خلال مرحلة المحاكمة إلا بموجب حكم نهائي ينص صراحة على التشهير، عندها خطر في بالي مفتاح تأثير ظهور صورة المجرم على مجريات التحقيق، لكنني تذكرت بأن واقعة ضبط المتهم بالجرم المشهود هي أكبر دليل على إدانته حتى لو حاول الإنكار بعد ذلك وحلف أغلظ الإيمان، وهو ما يعني عدم تأثير ظهور المجرم بالصحيفة أو حتى التليفزيون إن لم يسهم ذلك في إقـراره واعترافـــه.
حسنا بقيت لدي محاولة أخيرة، ربما كانت القوانين المعمول بها لا تنص على عقوبة التشهير، مما يتعذر على القضاء تضمينه في أحكامه النهائية، هنا شعرت بأن الشفرة بدأت تنفك، لكنني بالاطلاع على القرارات الوزارية لأغلب الأنظمة ومنها نظام المؤسسات الطبية ونظام الأوراق التجارية ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية ونظام الإقامة وحتى نظام الاتجار بالكائنات الفطرية، وجدتها تتضمن تعديلات جوهرية بإضافة مادة تجيز تضمين الحكم الصادر بتحديد العقوبة النص على نشر ملخصه على نفقة المحكوم عليه في صحيفة أو أكثر، هنا اكتملت محاولاتي الثلاث وأقفل الرقم السري نهائيا وبات من الصعب فك هذه الشفرة، لكن شيئا ما حدث في زحمة الأفكار المتراكمة أدى إلى فصل تيار الواقع ثم إعادة تشغيله من جديد، لينفتح الموقع على صفحة مكتوب عليها (ربما كان ذلك مراعاة لمشاعر المجرم)!؟