-A +A
هاني الظاهري

هل ساهم الإعلام العالمي في الدعاية والتسويق لتنظيم داعش؟ وهل يمتلك التنظيم إستراتيجية دعائية وتسويقية خاصة مكنته من توجيه إعلام خصومه لخدمته رغما عنه؟



الواضح أن معظم وسائل الإعلام حول العالم غارقة تماما في الدعاية لهذا التنظيم الإرهابي الذي يمكن وصفه بـ«أكبر مجموعة تسويق وإعلان مارقة في العالم» فالسياسات التسويقية التي يتبعها تكشف عن مهارات عالية في إدارة الوعي الجمعي وتوجيهه عبر وسائل لا تخصه، بشكل لا يُصدق.



تمكن التنظيم بإستراتيجية تسويقية بارعة طوال أكثر من 4 سنوات من أن يجر إعلام العالم أجمعه إلى ملعبه واستخدمه لتكريس مسمى «الدولة الإسلامية».. حتى بات هذا الاسم البراق الذي له مفعول السحر في الوعي الجمعي الإسلامي ماركة مسجلة للتنظيم دون منازع خلال العصر الحديث.



العراقيون تنبهوا أخيرا بعد معاركهم الشرسة مع الإرهابيين إلى الدور النفسي والدعائي الذي لعبته التسمية فأطلقوا على التنظيم في صحفهم مسمى «مليشيات إبراهيم عواد» نسبة إلى الاسم الحقيقي لزعيمه الذي يتخذ من كنية أول خليفة في الإسلام «أبو بكر» اسما مستعارا له وفق تلك الإستراتيجية التسويقية المرعبة، ولعل هذا التحول في استخدام المصطلحات عبر الإعلام الداخلي العراقي يعد ضربة أهم وأقوى من معظم الضربات الجوية التي تعرض لها التنظيم.



التسويق ليس كما يعتقد كثير من الناس بأنه عملية بيع منتج ما، هو بشكل مختصر مجموعة من الأفكار والدراسات التي تسبق عملية طرح المنتج للبيع، وعليه فإن التسويق الحديث يعمل على إنتاج «المباع» أي أنه مجموعة معقدة من العمليات التي تنتهي بطرح منتج يبيع نفسه بنفسه نظرا لحتمية الطلب عليه، وكذلك فعلت «مليشيات إبراهيم عواد» في خلق هوية نفسية «تاريخية» لها عابرة للقارات وقادرة على إيجاد أعداد مهولة من المدافعين عنها والمتشوقين للالتحاق بها عبر تسميات بسيطة مستخدمة وسائل الإعلام لترويجها دون أن تدفع لها فلسا واحدا وهذا يفسر تقاطر عوام المسلمين من كافة أصقاع الأرض لصحارى يتواجد فيها أفراد التنظيم داخل كانتونات متفرقة باعتبارها «دولة».



بجانب الهوية النفسية عملت إستراتيجية التسويق التي يتبعها التنظيم على إيجاد «هوية بصرية» له، وأيضا ساهم الإعلام العالمي في صناعتها والدعاية لها عبر نشر صور ومقاطع فيديو لأتباعه متراصين بالزي الموحد «اللون الأسود في البداية ثم العسكري لاحقا»، مع تكريس صورة «راية العقاب» النبوية كعلم للدولة.. فالدول وحدها من يتراص جنودها بزي موحد وليس العصابات، وهذا يندرج في إطار الرسائل النفسية التي يسوقها الإعلام رغما عنه.



الهوية البصرية التسويقية للتنظيم تتضح أيضا في نتاجه الإعلامي فمجلة دابق التي يصدرها بإخراج فني جيد يتبع أسلوب المدرسة الأوروبية الحديثة في الإخراج، تحمل رسائل نفسية احترافية موجهه لعوام المسلمين في كل مكان تتضمن مفاهيم «القوة والجودة والسيطرة».. هناك نظرية مهمة في مدارس التسويق الحديثة «إذا لم تستطع أن تجعل منتجك متقنا، فاجعله يبدو متقنا»، وهذا ما يفعله التنظيم فلا وجود لمجلته وأفلامه في الأسواق لكنها تتفوق إخراجيا وفنيا على كثير من المجلات والأفلام عادية الجودة المنتشرة على رفوف المتاجر الأروروبية.



الحديث عن خفايا إستراتيجيات «مليشيات إبراهيم عواد» الدعائية والتسويقية يطول، والمساحة لا تتسع لتناول معظم تفاصيلها وممارساتها الذكية، لكن الأكيد أن ضرب هذه العملية التسويقية العالمية بنفس إستراتيجيتها عبر ميثاق شرف إعلامي دولي هو الشيء الوحيد القادر على معالجة هذا الورم، فالحلول العسكرية لن تأتي مهما طالت بأي نتائج جذرية؛ لأن الدعاية مستمرة والتنظيم يغذي نفسه عالميا بها عبر وسائل الإعلام في مختلف بقاع هذا الكوكب.. باختصار العالم بحاجة لرؤساء شركات تسويق يقودون معاركه ضد هذا التنظيم لا قادة جيوش فهم كثر وعليه أن يفهم ذلك قبل فوات الأوان.











c@news-sa.com