-A +A
هاني الظاهري
خطوة تاريخية غير مسبوقة تلك التي اتخذتها السعودية أخيرا بتشكيل التحالف العسكري الإسلامي من 34 دولة بقيادة الرياض.. خطوة تسجل فعليا أول توحد عسكري للأمة الإسلامية منذ قرون طويلة بحيث يمكن وصفها بدعوة التوحيد الثانية التي تنطلق من عاصمة الدولة السعودية.. الأولى انطلقت من الدرعية لجمع مسلمي الجزيرة العربية قبل أكثر من 3 قرون على كلمة التوحيد الخالصة بقيادة الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتأتي الثانية اليوم لتوحيد المسلمين في العالم أجمع ضد أكبر خطر يواجه دينهم ووجودهم.
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حدث تحول كبير في العالم تجاه الإسلام كدين، جراء التشويه التاريخي الذي ألحقته بصورته ممارسات عصابات الإرهاب (تحت اسمه في كل مكان)، ورغم عظم الجهود التي بذلها المسلمون لتبيان الحقيقة لم يطرأ على تلك الصورة أي تحسن، بل إن الأمور تعقدت أكثر حتى وصلنا إلى وقت رجحت فيه -شعبيا- كفة الأحزاب اليمينية المتطرفة ذات المواقف العدائية الواضحة من الإسلام والمسلمين في العالم الغربي بدعوى مكافحة الإرهاب، بل إن إعلان المرشح الانتخابي في أوروبا والولايات المتحدة عن معاداته الإسلام والمسلمين أصبح ورقة رابحة لكسب الأصوات.

من يصدق أن المرشح الجمهوري المحتمل للانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب الذي حصد شتائم وكراهية المسلمين أخيرا إثر مطالبته بمنعهم من دخول الولايات المتحدة، حظي في آخر استطلاع موثوق أجرته شركة راسميوسين الأمريكية بتأييد أغلبية الشعب الأمريكي لمطلبه، أي أن دعوته العنصرية وعلى عكس المتوقع أسهمت في زيادة شعبيته، لأن المزاج الأمريكي العام حاليا لا يمكنه الفصل بين الإسلام والإرهاب إلا في خطابات بعض الساسة والحقوقيين.
اليوم وبإعلان قيام التحالف العسكري الإسلامي بهذا الحجم ضد الإرهاب، تقذف السعودية بصخرة كبيرة في بحيرة مشاريع اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا، وتقلب الطاولة على رؤوس تجار الاتهامات في كبريات وسائل الإعلام الغربية الذين سخروا جهودهم بشكل مكثف خلال الأشهر الماضية للربط بين الرياض ودعم الإرهاب.
حديث سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن الدور الذي سيلعبه التحالف الجديد لمكافحة الإرهاب، كشف أبعادا أخرى غير البعد العسكري، إذ صرح سموه أن التحالف سيعمل على مكافحة هذه الآفة فكريا وإعلاميا أيضا، وهو ما يعني أننا أمام تنسيق دولي مكتمل الرؤية وواضح الرسالة والأهداف والوسائل، ينهي عصر الاجتهادات المنفردة التي لم تتمكن من تخليص صورة العالم الإسلامي من التشويه الذي لحق به.
تولي الرياض قيادة التحالف العسكري الإسلامي يتماهى مع كون السعودية من أكثر دول العالم نجاحا في مكافحة الإرهاب خلال العقد الماضي، وهو النجاح الذي تعترف به أعرق أجهزة المخابرات الدولية رغم كل ما تبثه وسائل الإعلام الغربية من اتهامات للمملكة لا تخرج عن كونها دعاية مضادة ذات أهداف سياسية ومصلحية معقدة.
اليوم تعيد السياسة السعودية كتابة تاريخ الأمة الإسلامية وصياغة موقفها تجاه أكبر خطر يواجه البشرية، مثبتة للعالم أجمع أنها الأكثر تأثيرا ونفوذا في المنطقة والعالم الإسلامي، وعليه التعامل معها على هذا الأساس.