-A +A
أحمد عجب
مع أنني سكنت في أكثر من حي بمدينة جدة، إلا أنني لم أرَ يوما (العمدة) يقف مع معاونيه على مشكلة حية بين جارين أو مجموعة من السكان لغرض حلها وتقريب وجهات النظر، لم أره يوما يتفقد بعض المنازل الفقيرة أو يحمل إليها الطعام أو القليل من المال لسد حاجتهم، لم أجد له ذلك الحضور المتوقع بالمناسبات الاجتماعية مثل المساهمة المادية مع والد العريس أو المشاركة المعنوية مع أهل المتوفى، لم أرَ أيا من ذلك، بل إنني لم أرَ مقر موقعه (المركاز) إلا مرة أو مرتين بالكثير، وكان ذلك بالصدفة وتحديدا بعد صلاة المغرب، كان بحق منظرا ملفتا للانتباه، حتى أن مرافقي بذلك الوقت قال لي بكل عفوية (تصدق أول مرة أعرف أن عندنا عمدة للحي)!
أغلب الناس لا تعرف أن هناك عمدة للحي أصلا، إلا حين يقع أحد الأقرباء بمصيبة ويشترط للإفراج عنه تقديم كفاله حضورية، أو حين يطلب منهم مشهد تعريف لفتح ملف بالمستوصف أو لإكمال طلبات الموافقة على الزواج من أجنبية أو للحصول على أثبات أن هذا الشخص متسبب ولا يعمل لدى أي جهة، أو حين يكون لأحدهم دعوى لدى جهة قضائية ويطلب منه إبلاغ الخصم عن طريق العمدة، حينها يبدأ الواحد منهم رحلة البحث الطويلة عن موقع العمدة، ومع أن التعرف عليه والوصول إليه يستغرق وقتا كبيرا ، إلا أن ذلك الشخص في الغالب لا يجد أي تعقيد يذكر حيث يتحصل في وقت قياسي على ورقة رسمية مذيلة بختم وتوقيع العمدة!!

لأن طبيعة عملي بالمحاماة تحتم علي استقبال العديد من الاتصالات ومشاركة أفراد المجتمع مشكلاتهم، كنت أشير على الكثير منهم الاستعانة بالمؤسسات المدنية مثل هيئة حقوق الإنسان أو لجنة إصلاح ذات البين أو بعض الجمعيات الخيرية الموثوق بها، ولم يحدث يوما أن أشرت لأي منهم بالذهاب لعمدة الحي، حتى وردني بأحد الأيام اتصال من (عمدة حي الشام) ذكر فيه أن إحدى السيدات لجأت إليه لحل مشكلتها الحاصلة مع زوجها والتي أدت إلى هروبها من البيت وسجنها، وللأمانة أقولها، فقد لمست اهتماما ودورا فعالا لهذا العمدة ساهم في حل القضية، ولكنها كانت المرة الأولى والأخيرة، حيث لم تغير هذه التجربة الناجحة ذلك الانطباع الراسخ بمخيلتي!
إلى ماذا نعزو غياب الدور الاجتماعي الفاعل لعمد الأحياء واقتصاره على تعريف أو كفالة أو إبلاغ بموعد جلسه؟!
هل هو عائد إلى ثقافتنا الضحلة لمهامهم المعتمدة، أم إلى خيبة أملنا، أم إلى الساعات القليلة التي يتواجدون فيها بين المغرب والعشاء، أم إلى إمكاناتهم ومكافآتهم المحدودة ومشاغلهم الحياتية؟
إننا كمجتمع يعج بالهموم والمشكلات نتطلع إلى دور أكبر لهؤلاء العمد، خاصة وأنهم متى حضروا يثبتون كفاءتهم وقدرتهم على تذليل الصعاب للناس، إننا لن نصل إلى هذا الدور المأمول ونحن في كل مرة نحتاج فيها إلى (عمدة حي) نضطر إلى البحث عمن يمنحنا مشهد تعريف بموقع مركازه، حيث يفترض أن يكون أشهر من نار على علم، وأن نكون كسكان للحي على علم مسبق بأنه يسكن إلى جوارنا ويعيش بيننا ويتواجد على مدار الساعة لخدمتنا!!
تويتر @ajib2013