-A +A
مها الشهري
طالما نظرنا للعلاقات بين النساء والرجال على أساس فقدانها للتوازن وغياب المعايير عنها، حيث إن الرجل في الثقافة السائدة لم يتعرف على نموذج يكون به علاقة صالحة مع المرأة خارج الصلات القرابية إلا من خلال النموذج المثالي الذي يقتضي بحث العائلة وإشرافها على اختيار الزوجة المناسبة استنادا على القواعد والمعايير المتفق عليها تقليديا، وبناء على المواصفات التي يحددها هو وتكسبه الامتياز في حالة الاختيار لزوجة ذات موقف تابع، فيما أن ليس لديه أي اعتراف ضمني أو صريح بشرعية التعامل خارج هذه الأطر حتى ولو تعامل مع امرأة يجمعه بها إطار خارج الإطار التقليدي الذي لم يعرف المرأة المثالية إلا من خلاله.
النموذج المثالي المبرمج عليه بعض الرجال هو النموذج الأصل الذي يحتكم إليه لا شعوريا في تقييمه للتعاملات مع النساء، وهذا يعود لقاعدة تقتضي أن المكتسب الثقافي الأساسي حول فكرة ما يبقى حيا في اللاوعي لدى الفرد حتى ولو انقطع عن الإحساس به لظرف تغيير طارئ في الزمان أو المكان، مما يعني أن النموذج الأصل يتحلى بقيمة ويشكل منطلقا فكريا في الحالة الإيديولوجية، إضافة إلى أنه يحظى بقدر كاف من التقدير.

بناء على ذلك، فإن النماذج الأخرى لصفة التعاملات البسيطة أو لشكليات العلاقات بين الجنسين في نواحيها المختلفة تؤخذ على اعتبارها ثانويات يمكن الاستغناء عنها أو الاستخفاف بها أو السخرية منها أحيانا، وافترض أن سبب امتهان الفرد لعواطفه وكل ما يرتبط بها في هذا الإطار يأتي من تجريم الفكرة في النموذج الأصل، لأن كل رغبة إنسانية تقابل بالقمع من قبل المجتمع ويقوم الفرد بكبتها ومداراة ألمها فستظهر عليه كتصرفات غريبة، والرغبات المقموعة ترجع لتتحرر وتظهر على سلوك الإنسان ولكن بطرق مشوهة.
من السهل أن يتلبس بعض الرجال ثياب المنفتحين واللاتقليديين لأنه يسهل له خطاب عاطفة المرأة والتسلية بالعلاقة معها تلبية للدافع الفطري والطبيعي، لكنه يصعب عليه تقديم تلك المعرفة للآخرين كونها تظل مسجونة ضمن مخالفاته الممتعة والسرية، وإن أفصح بها لبعض أقرانه فسيكون ذلك التقديم بأسلوب التباهي والانتصار على الواقع وبشكل خارج عن قيم الاحترام، فيما أنه يهرب من الواقع أصلا لاجئا لهذا النوع من العلاقات بأسلوب «التنفيس».
حينما يعتقد الفرد أنه يتجرد من دوره الاجتماعي كلما اقترب من النساء، وأن جوانب شخصيته العاطفية هي الجزء الأضعف سيظن أنه بحاجة للانتصار عليها كي تستقيم حياته، فينظر لعلاقته مع المرأة كمخالفة، ويجد المتعة في كل تفصيلاتها على طريقة الممنوع المرغوب.
ما ذكرته قد ينطبق على النساء أيضا ولكن من بعد آخر، ولكن من أجل استقامة العلاقات الإنسانية في مجتمع مصاب عاطفيا فعلينا أن ننظر للأمر بشكله الطبيعي بعيدا عن التمنع والدفاع المتوارث لغويا وثقافيا ضد هذا الأمر.