-A +A
هاني الظاهري
في لقاء تلفزيوني أجرته معه قناة الاقتصادية أشار وزير الخدمة المدنية خالد العرج إلى أن بعض السعوديين يتركون وظيفة في القطاع الخاص براتب 20 ألفا من أجل وظيفة حكومية راتبها لا يتجاوز سبعة آلاف ريال، عازيا ذلك إلى أن القطاع الخاص «يكون به ضغط في العمل وطلب إنجاز مهام معينة في وقت معين ومطالب بتقييم الأداء»، فيما القطاع الحكومي يتميز بعدد ساعات العمل الأقل والإجازات الأطول والترقية المضمونة.
حديث الوزير محل احترام بالطبع ولولا أنه استخدم مفردة «بعض» التي تشير لاستثناء ربما يكون نادرا، ومرتبطا بظروف خاصة لكل حالة، لقلت إنه حديث قادم من «السبعينيات» الميلادية ومنفصل تماما عن الواقع، فالوزارة التي يديرها معاليه سبق وأن عملت عام 2011 على تشكيل لجنة مع ديوان المراقبة العامة ووزارة العمل لتطويق تنامي تسرب الكفاءات الشابة من العمل في القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص بعد أن ثبت أمام ديوان المراقبة العامة ارتفاع نسبة تسرب الكفاءات الشابة من العمل الحكومي إلى نحو 22 في المائة حينها، وهو ما يشاهده المواطن على أرض الواقع وتثبته التقارير ويكشف عن زهد الكفاءات الوطنية في وظائف القطاع العام، فالأطباء يتسربون إلى القطاع الخاص بشكل يومي، والمهندسون يسابقونهم إليه، حتى انعكس ذلك على كفاءة المؤسسات الطبية الحكومية وأمانات المناطق وغيرها من المؤسسات ذات الصلة.
قبل حديث الوزير بنحو عامين وصف عضوان في مجلس الشورى الموظف السعودي القطاع العام المستمتع ببقائه في المراتب الدنيا طوال فترة خدمته بـ«التنبل»، وهو مصطلح عامي يُطلق على الشخص الغبي الكسول الفاقد للطموح والقدرات، وبغض النظر عن قسوة الوصف وتعميمه وافتقاره للباقة، يمكننا القول إن النموذج الذي أشار إليه الوزير هو المثال الأبرز لـ«التنابل»، ومن الكارثي الارتياح لفكرة أن القطاع الحكومي هو الملاذ الأخير لـ«التنبل»، لأن هذا يعني وجود خلل كبير في منظومة وكفاءة هذا القطاع، وهو أمر يحتاج لتدخل علاجي جذري من الوزير نفسه قبل غيره.
في عام 2014 أصدرت مؤسسة الملك خالد الخيرية دراسة من إعداد الباحث السعودي الدكتور سامي بن عبدالعزيز الدامغ لتحديد «خط الكفاية» في المجتمع السعودي، وهو بحسب الدراسة «الحد الذي يمكن عنده للأفراد أو للأسر أن يعيشوا حياة كريمة، ولا يحتاجوا إلى أي مساعدات إضافية، أو استجداء المحسنين والتردد على الجمعيات الخيرية والتسول»، والمفاجأة التي كشفتها الدراسة هي أن المتوسط العام لاحتياجات الأسرة السعودية شهريا يبلغ 8926 ريالا معتبرة ذلك «خط الكفاية» وما دونه انزلاق إلى «الفقر»، أي أن الراتب الحكومي الذي يتحدث عنه الوزير (7 آلاف ريال) ويرى أنه مقبول لانتقال بعض العاملين في القطاع الخاص ممن تصل رواتبهم لـ20 ألف ريال، يقل فعليا عن متوسط حد الكفاية بنحو ألفي ريال، هو أمر مثير للدهشة!
الأكيد -مع كل الاحترام والمحبة لمعالي الوزير- أن السعودية اليوم في مرحلة تحديات اقتصادية تاريخية تستلزم العمل على رفع كفاءة القطاع الخاص بمنحه مزيدا من الامتيازات والتسهيلات لتوفير أكبر كم ممكن من الفرص الوظيفية فيه، وتشجيع المواطنين على الالتحاق بها، لا تكريس نظرية الدولة الريعية وأفضلية الوظيفة الحكومية عبر الحديث عن حالات نادرة بشكل يسهم في «نمذجتها» بما لا يتسق مع الواقع ومعطياته.


c@news-sa.com