-A +A
مها الشهري
انتقد بعض النشطاء والحقوقيين العقوبات التي اتخذتها المملكة في حماية استقرارها والنيل من المحاولات العابثة بأمنها، وذلك في محاولة غير نافعة تقتضي تغليب مصلحة الفرد على مصلحة المجتمع حتى ولو كان الفرد مجرما، هذا بالرغم من أننا نتفق جميعا على أن الإرهاب والتكفير والتحريض بأشكاله يعتبر جريمة يجب أن تقابل بالعقوبة، مما يعني أن النشاط الحقوقي في مجتمعاتنا العربية يقع في مأزق التبعية للشعارات والإعلانات التي تنادي بها ديباجات حقوق الإنسان العالمية والتي لا تتجاوز أحيانا حبرها المكتوب على الورق، حيث ينعكس مدى التطبيق لتلك الاتفاقيات على الممارسات والانتهاكات التي تمارسها الدول العظمى ضد دول العالم الثالث، وبطريقة الاستخدام غير الاخلاقي لفرض القوة وتحقيق المصالح السياسية، حتى أصبح إنسان اليوم هو أكثر المخلوقات عرضة للاضطهاد والتشرد والجوع والموت.
بالرغم من أن الثقافة الحقوقية والقانونية لا توجد في أدبيات الإرهاب، وقد يستغرب البعض كيف يثار النشاط الحقوقي إزاء هذه المسألة، لكن الأمر ليس بالغريب إذا كانت الثقافة الحقوقية تأتي في أصلها من خلفية سياسية صرفة وليست نابعة من احتياجات المجتمع وخصوصيته وتوحيد رأيه حول مصالحه الوطنية، الأمر الذي أنتج لنا عقليات متواضعة في الرؤية والتفكير يهمها الرفض أكثر من التسوية.

ليس من الجيد أن يحتكم الناشط الحقوقي لاتفاقيات فضفاضة وغير ملزمة تجعل حقوق الإنسان خاضعة للاستغلال وللاعتبارات الذاتية بينما هي لا توجه الناس نحو واجباتهم ولا تضع معايير للجزاءات والعقوبات بالشكل الذي افقدها القيمة القانونية، إضافة إلى عدم مراعاتها للاعتبارات الأخرى التي تختلف بها المجتمعات في أساليبها للضبط الاجتماعي المنظم لحياة المجتمع، فليس من الممكن أن نطالب بحقوق الفرد الذي لا يؤدي واجبه تجاه مجتمعه إذا كان مجرما يسعى للخراب والقتل والفساد وإثارة الفوضى.
ما يهمنا في هذا الرأي هو الإشارة إلى الضدية التي تقع بين النشاط الحقوقي والثقافة القانونية، فالحديث عن الحقوق الإنسانية بشكل مجرد وحيادي بعيدا عن الجوانب الأخرى ذات الصلة يعد شكلا من أشكال الرومانسية الأدبية التي لا تمت إلى الواقع بصلة وتفقدنا الوعي بالمعايير المناسبة لبناء مفهوم ايجابي بناء على ما يتطلبه الموقف.
لكل مجتمع من المجتمعات قوانينه المنسجمة مع البيئة الاجتماعية ذات الأثر الهام في الحفاظ على الكيان الاجتماعي، وبالتالي فإن تنفيذ العقوبات ضد المجرمين وفق التشريعات النظامية تشكل أبعادا جوهرية في قيمتها، حيث توظف المفاهيم الحقوقية في الوعي المجتمعي، وتعزز القيم الإنسانية والأخلاقية وتحد من التجاوزات في المجتمع، وبما أن الإرهاب يشكل خطرا في واقعنا اليوم فإن العمل الوقائي من خلال التنمية المجتمعية وإشغال فكر الشباب بالبناء، إضافة إلى التربية والتنشئة الاجتماعية هي الأدوات التي في مقدرتها تحقيق كافة الوسائل والصور للاستقرار.