-A +A
مها الشهري
لا ندري من أين نأتي «لدلع المواطن» المزعوم وكيف نتناوله، هل نتناول فهمنا للعبارة نزولا من فوق الأريكة المخملية ومن حيث حكم بها صاحبها، أم صعودا من على رصيف الشارع آخذين تفسيرها من عين عابر سبيل محرومة، ولعل الخيار الأفضل في أن نقارب بين وجهات النظر هذه من زواياها المتناقضة، ولا يهم الانحياز إلى جانب منها بقدر ما نطمح إلى إيضاح حجم الفجوة بين الفقراء والأغنياء، كمحاولة عبثية لاختراق سياجات خرسانية شبيهة بجدار «برلين بيرو».
من المهم أن نروي باختصار قصة «جدار العار»، كما سماه سكان ضاحية «فيستا هيرموسا» الواقعة في «ليما» عاصمة البيرو غرب أمريكا الجنوبية، وبإمكان القارئ مشاهدته بالضغط على بضعة أزرار في بحث قوقل، ذلك الجدار هو أحد أساليب الفصل العنصري ولكنه هذه المرة يفصل بين طبقتين من الناس «أثرياء وفقراء» وكل فئة منهما تعاني من الأخرى، فالأولى تعاني من فرط الإشباع للاحتياجات الإنسانية إلى الدرجة التي لا تحتمل رؤية مظاهر الجائعين، بينما الثانية تعاني من النقص في أبسط الاحتياجات، مما تسبب في انتشار الجريمة كناتج طبيعي يعوض فيه الإنسان نقصه، ولم يجدوا حلا إلا في بناء جدار خرساني ممتد على طول 10 كيلومترات، تعتليه الأسلاك الشائكة فاصلا بين أبناء المجتمع الواحد للحد من الصراعات الواقعة بينهما بسبب الفقر والغنى، وليبقى كل في فلك يسبحون.
من يعش في مراتب من الثراء والرفاهية يبق إدراكه محصورا بداخلها فيما لا يتسع عقله للشعور بالآخرين، بالتالي لا يظهر من تعبيراته سوى التحجيم والاستخفاف بأي رؤية لا تأتي من زاوية منطلقاته، حينها لا يستوعب تذمر البعض من الناس لسبب سوء معيشتهم، لا يستطيع أن يراعي الأسباب التي تدفع البعض للنظر إلى ما لديه، ولماذا ينتقم لحاجته بالبحث في زلات غيره، وكأن التذمر والجدل أصبح وسيلتنا اليوم للكشف عن مشكلات مثبتة واقعيا تأتي مواجهتها بالإنكار، في الحين الذي ينسى فيه بعض المخمليين واجبهم نحو دعم مجتمعهم وإصلاح مشكلاته.
هناك حالات يكون الاحتياج محركها الأساسي، وعند هذه النقطة يمكننا التوقف قليلا، فقد ذهب بعض المستنكرين للموقف الشعبي «الواشي» إلى أن أكثر الناس مدفوعون بحسدهم ضد أصحاب التعديات على الممتلكات العامة، وأتت الوشاية ترجمة لمشاعرهم الحاقدة! لكننا لا نستطيع في هذا الموقف أن نكتفي بذكر الحسد كشعور ذميم، وإنما يتوجب علينا أن نبحث قليلا في الأسباب التي جعلت الحسد «نتيجة وليست سببا»، الحال الذي لا يمكن وصفه «بالدلع».
على رغم أن غالبية الآراء تهدف للتصحيح، إلا أنه من الصعب تحديد الرغبة التي تدفع بأكثرية الناس للانتقاد في قضايا كهذه، لكنه يتوجب علينا السعي لتذويب الفروقات الطبقية حتى تعكس مستوى جيدا من المساواة، ولا يتحقق ذلك إلا بالمشاركة وتكافؤ الفرص والقناعة بأن التنمية وحدها هي القادرة على إحداث النمو الاقتصادي، لإقامة بناء اجتماعي ذي علاقات جديدة وقيم مستحدثة تسمح بتحقيق المطالب والحاجات.

maha3alshehri@gmail.com