-A +A
هاني الظاهري
لا تنتهي حيل الدجالين الباحثين عن الشهرة والمال في السعودية «عبر استخدام الدين»، فلهم كل يوم سوق جديدة تكتظ بالحمقى والمغفلين، ولهم كل ساعة ألاعيب مثيرة لاستقطاب الزبائن وحلب جيوبهم بشكل جيد، بعيدا عن تعقيدات الأنظمة التي تملأ أدراج الوزارات، وبعيدا كذلك عن أعين الجهات الرقابية ثقيلة النوم.
خلال العامين الماضيين تحول كثير من تجار الوهم المتدثرين بالمظهر الديني إلى معالجين نفسيين، وأخصائيين اجتماعيين (من منازلهم طبعا).. حدث ذلك بعد أن اقتحموا مجالا يدر أرباحا مجزية جدا هو ميدان «الاستشارات الأسرية»، وعملوا بشكل جدي وحثيث على تسويق أنفسهم عبر الشبكات الاجتماعية وبرامج الفضائيات الفارغة (الموجهة للنساء تحديدا) حتى نافسوا بشهرتهم الجديدة نجوم المسلسلات التركية، وكرة القدم.

الواعظ «التاجر» الذي أفلست تجارته واستثماراته في «أشرطة الكاسيت» الترهيبية قبل عقدين من الزمن، تحول اليوم إلى رمز في سماء التدريب وتطوير الذات والاستشارات الخاصة بـ«الحياة الأسرية»، هكذا من دون أي مقدمات أو شهادات، كل ما في الأمر لسان لا يتوقف عن الثرثرة، ودعاية جيدة، وجني سريع للمال من جيوب الدهماء المساكين الحالمين بأعشاش زوجية مستقرة خالية من الصراعات تحت «كليشة»: بما يرضي الله.
ليس مستغربا أبدا أن ينجح أي استثمار يصطبغ بالصبغة الدينية في المجتمع السعودي، فهو مجتمع محافظ ميال لتصديق من يدغدغ مشاعره الدينية، وهذا يفسر اصطفاف كثير من السعوديين (سابقا) في طوابير طويلة أمام منازل ممارسي الرقية الشرعية عند معاناتهم من أي مشكلات نفسية بدلا من زيارة العيادات المتخصصة، إنها مشكلة وعي وثقافة بالدرجة الأولى وفرت ملعبا فسيحا لكل دجال طامح إلى جني الملايين بأقصى سرعة ممكنة.
من جهة أخرى، ساهمت الحكايات المثيرة المتداولة في وسائل الإعلام عن انحرافات كثير من الرقاة في تغيير اتجاه بوصلة من يعانون من اضطرابات في حياتهم إلى «مراكز الاستشارات الأسرية»، ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل فقد لحق بعض «الرقاة» بزبائنهم القدامى إلى هذه المراكز، بعد أن غير كل منهم مسماه المهني من «راقٍ شرعي» إلى «مستشار أسري»، مواصلا بذلك لعبة الربح و«كله بأجره».
طبعا لايتوقف «بزنس» الشيخ «مستشار أسري» عند توزيع النصائح الكارثية على «الحريم» وأزواجهن في مقابل فاتورة مدفوعة مقدما، بل يتجاوز الأمر ذلك إلى استثمار التقنية الحديثة عبر تخصيص «قناة جوال» باشتراك شهري لبث الطمأنينة في نفوس المتعبين من التعارك بالصحون والملاعق في البيوت غير المطمئنة، ويتوج «الشيخ مستشار» استثماراته بعقد دورات تدريبية للمتزوجين والمقبلين على الزواج برسوم يدفعها نادرا المستفيد بشكل مباشر، أما في الغالب فتدفع الرسوم جهات مختلفة من أبرزها الجمعيات الخيرية والتعاونية، أو مكاتب الدعوة والإرشاد المنتشرة في مختلف المدن السعودية، والتي يدير معظمها «ويا للمصادفة»، أصدقاء وجلساء وشركاء «الشيخ مستشار أسري»، نفع الله بهم!