-A +A
هاني الظاهري
«العالم يصبح أكثر أمانا حينما يجلس رئيس جمهوري في البيت الأبيض»، هذه عبارة أرددها دائما عن قناعة تامة عند الحديث عن السياسة الخارجية الأمريكية، ويؤيدها الواقع. فعندما يجلس جمهوري على كرسي الرئاسة في واشنطن تستعيد الولايات المتحدة دور «الشرطي» الحاسم الجاهز لممارسة الضغوطات السياسية على القوى التي تهدد السلم العالمي، والتدخل العسكري في أي بقعة مضطربة قبل أن تتحول إلى سوق لتصدير الإرهاب لبقية أجزاء هذا الكوكب.
مشكلة الديمقراطيين أنهم يميلون إلى الانكفاء على الشأن الداخلي الأمريكي، ويديرون ظهورهم للحرائق التي تشتعل في مناطق أخرى من العالم حتى وإن كانت تهدد مصالح بلادهم، بل قد يذهبون إلى أبعد من ذلك كالتخلي عن الحلفاء وتجنب الضغط على الخصوم، وربما وصل الأمر إلى معانقة قوى الشر كما حدث في عهد الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما عندما وقع الاتفاق النووي مع عاصمة الإرهاب العالمي «طهران».

بعد حرائق ما يسمى بـ «الربيع العربي» الذي خلف حروبا أهلية شنيعة وبقايا دول غير صالحة لأي شيء سوى تسويق الموت والدم عبر الشاشات، باتت المنطقة العربية بحاجة ماسة لأن يتسلم الجمهوريون من جديد زمام السلطة في واشنطن، ويبدو أن تطلعات الأمريكيين أيضا تسير في هذا الاتجاه، لكن العرب هم الأكثر حاجة من كل شعوب الأرض لاستيقاظ «شرطي العالم» النائم منذ نحو سبع سنوات مرت كأنها 7 عقود استفاق خلالها المارد الروسي من غيبوبته فوجد نفسه متسيدا ساحة الصراع الدولي دون عناء.
المأساة السورية التي مازالت متفجرة كأكبر جرح نازف في تاريخ الجسد العربي لم تكن لتستمر كل هذه السنوات لو أن الجمهوريين يحكمون أمريكا، سبب استمرارها الحقيقي هو ضياع هوية وبوصلة السياسة الخارجية للديمقراطيين الذين يعانون من فوبيا تحريك عتادهم العسكري في أي مكان خارج حدودهم إلا من السماء لرفع عتب الحلفاء في الغالب، ولو كان العدوان العراقي على الكويت مطلع تسعينيات القرن الماضي وقع في عهد رئيس ديمقراطي في الولايات المتحدة لربما كانت الكويت حتى اليوم محافظة عراقية.
إعلان السعودية عن استعدادها للمشاركة بقوات برية تحت مظلة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش في سوريا هو دفع للأمريكيين قبل غيرهم باتجاه حلحلة هذه القضية، فتخليص الشعب السوري من هذا التنظيم كاف لاستعادة المعارضة أهدافها الحقيقية وإسقاط نظام الديكتاتور بشار الأسد المرتبط وجوده عضويا بوجود التنظيمات الإرهابية على الأرض، كما أن الإعلان السعودي يحمل رسالة واضحة تقول للأمريكيين وغيرهم إن الرياض قادرة على أن تقوم بدور «شرطي المنطقة» إذا كانت القوى العالمية الكبرى قد نسيت دورها وتحولت إلى مصادر للثرثرة السياسية فقط.
بقيت سنة على انقضاء الفترة الرئاسية الثانية لأوباما. ولا أتصور أن تقدم إدارته خلالها جديدا لقضايا الشرق الأوسط، لكن بصيص أمل يلوح في الأفق مبشرا بتقدم الجمهوريين لإطفاء حرائق المنطقة، ليس «لعيون شعوبها»، وإنما دفاع عن مصالح الولايات المتحدة ودورها الدولي المفقود.