-A +A
مها الشهري
هناك مقولة مفادها: «إن الصناعة تأتي مما تصنع به، رخيصة كانت أو ثمينة»، ومما لا شك فيه أن التعليم إذا صلحت طريقته ستعطينا نتائج عملية ذات فوائد كبيرة، ولكن الذي يحدث أن طريقة التعليم حولت الجزء الأكبر ممن يتلقونه إلى عاطلين مهمشين، وهنا نجد في أسفل السلم الاجتماعي جماعات من الممتعضين المتهيئين للغضب، منهم من تخرج من المؤسسات التعليمية ومنهم من بقي على مقاعد الدراسة عبئا على التعليم وعلى نفسه، يفتخر بعضهم بالهروب من المدرسة أو بالرسوب في الامتحانات، مما يعني أن لدينا حصيلة متزايدة بالتمرد الناتج عن ضياع الهدف والدور والعمل، والذي يسبب انتشار الانحراف والجريمة في أسوأ الحالات، أي أنها مشكلة اجتماعية ذات أبعاد كثيرة ومتعددة.
نظرية التعليم في نظر الفرد تنحصر على «الخضوع وإلقاء المحفوظ»، وهذا لا يقف عند حد الفرد في صفوف المتعلمين، بل إن الذي يتلقى علوم الأستاذية لا يتعلم ولا يعلم سوى الحفظ والتلقين، ثم يؤدي دوره في إخضاع طلابه لرأيه وأفكاره، ولو أن ضرر هذه التربية يقتصر على قلة فائدتها لاكتفينا بالتعاطف مع أولئك الأطفال الذين يلزمونهم بمعرفة المناطق المصدرة للمطاط والأخرى المنتجة للقطن، لكن لأضرارها أبعادا أخرى أكثر مما نتصور، فالمدارس لا تربي شبابا قادرين على الحياة، وإنما تخرجهم كعمال لأدوار وظيفية نجحوا في اجتياز اختباراتها دون أن يهتموا بقيادة أنفسهم، ودون أن يتقدم إليها الواحد منهم من داخل ذاته.

يذهب من عمر الفرد أكثر من 12 عاما في التحضير النظري، ويتخرج أبناؤنا ويحملون الشهادات لمختصرات من المعرفة السطحية فيما لا يستصنع منهم إلا القليل، وهذه من أهم العوامل التي قد تجعل الفرد على جاهزية في خوض أي نوع من المعارف والتجارب الأخرى حتى ولو كان فيها خروج على مجتمعه.
إن شبابنا محرومون من ذلك الامتزاج النفسي الذي يربط بين معطيات التعليم والاستعداد الذاتي لتجارب الحياة، وقد حافظت الأمم على قوة إرادتها من سبل التعليم التي تتطلب استخدام العقل والمحفزة للابتكار والإقدام الذاتي على العمل، فالتجربة والإدراك هي التي تولد الأفكار وهي الأدوات التي نواجه بها الحياة والتي يفترض أن تتضمنها منهجية التعليم، فهو المرآة الذي يرى المجتمع فيها مصيره في يوم من الأيام.