-A +A
أحمد عجب
قبل سنين وأنا بقاعة المحكمة، سأل القاضي المتهم: لدينا أكثر من عشر قضايا جديدة مرفوعة ضدك مجموع مبالغها مليونا ريال، فما هو ردك على كل قضية؟، وخلال نصف ساعة انتهت جلسته بعد أن أجاب على كل منها بقوله (نعم أصادق على صحة المطالبة)، ومع أن الجميع أعجبوا بالشيخ لسرعة إنجازه، إلا أنه نهض فجأة وباغت المتهم بقوله: أنا من الأول شاك فيك، لأنك لم تندهش لحجم القضايا ولم تنظر إلى المدعين لتتعرف عليهم، لهذا لن آخذ بإقرارك أمامي وسأطلب التحري عن خصومك وصلة قرابتهم بك، لأنه فيما يبدو جرى اتفاق بينكم ليقدموا دعاوى صورية ضدك، ومتى نفذت عليك الأحكام بإجراء قسمة الغرماء، يعيدون لك المبالغ التي تسلموها!!
اليوم يفترض أن تكون مثل هذه الخطط قديمة، وأن لا يمنح المحتالون الفرصة الكافية لإنجاحها، لكن الواقع يقول غير ذلك، ومحاكم التنفيذ التي سبق أن أشدنا بها، اليوم هي أقل فاعلية، فبعض القضاة غير ملتزمين بأوقات الدوام الرسمية، والملفات مكدسة، والموظفون متذمرون لقلة أعدادهم مقابل حجم المعاملات المحالة، أما المراجعون الذين يملكون أحكاما نهائية فيغلب عليهم عدم الرضا بعد أن وجدوا أنفسهم من جديد أمام دوامة من الإجراءات الروتينية والطويلة التي تبدأ بإصدار سند تنفيذي، ثم إعادة تبليغ المحكوم عليه، والاستعانة بإمارة المنطقة، والإعلان عنه بالصحيفة، ووقف خدماته، ثم فرض غرامة أو إصدار أمر حبس ضده، وفي النهاية يا عالم يصلون إليه وإلا ينفذ بجلده؟.

حتى وإن قبضوا عليه، فهناك جملة من الإجراءات الجديدة لاستيضاح الأموال التي لا يزال يملكها، وقد أعلن قبل أيام رصد مناقلات أموال لأسر مماطلين تهربا من التنفيذ الجبري، بمعنى أن المحتال وجد الوقت الكافي ليسجل الأموال والعقارات التي استولى عليها باسم زوجته أو أحد أقاربه، ومع أنه يحق للقاضي وفق نظام التنفيذ إذا لمس شيئا من ذلك، أن يأمر بحجز هذه الأموال والتنفيذ عليها، إلا أنني أرى بأن هذا الإجراء تأخر كثيرا وكان يفترض القيام به خلال مرحلة المحاكمة، ثم أنه يقتصر على أفراد الأسرة في حين أن الأموال قد تنقل لصديق أو شريك مستتر.
أما طرق غسل الأموال وإضفاء الشرعية عليها فهي عديدة.
محكمة التنفيذ أشبه ما تكون حاليا بفريق كرة قدم يضم بين صفوفه أفضل العناصر، لكن خطة لعبه قديمة ومملة كونها تعتمد على تبادل الكرة بين اللاعبين لأكثر من عشرين تمريرة قبل أن تصل إلى باب الخصم ويصدها الحارس أو يطيح بها المهاجم فوق العارضة، وهكذا يضيع الوقت وتنتهي المباراة بالتعادل ويتبدد حلم تحقيق البطولة، ولا يتحصل الفريق في كل موسم بالرغم من قوته إلا على (جائزة اللعب النظيف) ولو أن المدرب تخلى عن فلسفته واحترم المنافس منذ البداية، ولعب بخطة تعتمد الكرات الطويلة والهجمات المرتدة، لأمكنه إحراز نتيجة ثقيلة، وليس مهما أن يقال بعد ذلك إن أهداف المحكمة جاءت بعد إعاقة المدافع أو من خلال لمسة يد أو تسلل واضح.