-A +A
مها الشهري
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة «صرح ثم نفى» عند بعض المسؤولين، وهي أحد الجوانب الظاهرة من البيئة التنظيمية التي تأخذ في أهم إشكالياتها غياب المصلحة العامة، وقد لا يدرك أحدهم أن الصورة النهائية التي يظهر فيها كاذبا قد تسيء إلى إنجازاته وأعماله المستقبلية، فالأمر مرتبط بحساسية مكانة المسؤول ومدى ما ينتظر منه الناس أن يفعل.
التصريحات غير المسؤولة تؤدي إلى نتائج سلبية في أي ملف، وهي دلالة على وجود التناقض الذي يحدث بين مسؤول وآخر وربما من مسؤول مع نفسه، وقد يفضل المسؤول أن يبقى «مصدرا مجهولا» في تعامله مع الإعلام، ذلك من شدة الاحتراز والإقفال على المعلومة، ويفسر أيضا مدى الارتباك في إدارة الملفات المتعلقة بالقضايا الحساسة التي تمس مصالح العامة، وبالمقابل ليس بالضرورة أن يكون التصريح كاذبا، ولكنه ليس جادا بالقدر المعطى من الثقة بين الناس.

كثرت التصريحات المتناقضة والمتضاربة، حيث يأتي «مصدر مسؤول» بأمر ثم ينفيه بنفسه أو ينفيه غيره من الجهة نفسها في اليوم التالي، ويحتمل هذا عدة أمور، إما أنها شائعات متعمدة ومفتعلة ومبالغ فيها لقياس ردود الأفعال في المجتمع أو للوصول لهدف معين، أو لخلق حالة من التوتر بين الأفراد، وإما أنها قد تعبر عن صراع وتخبط إداري ناتج عن اختلاف في وجهات النظر وفي القيم والاتجاهات والأهداف لدى المسؤولين، ويترتب على هذا ضعف في الأداء الإداري وإرباك لصناعة القرار.
من السيئ جدا أن تخرج تصريحات لغرض يخدم قائلها ولا يبنى على طلب المشاركة في صنع القرار، ومن المفترض أن يتعدى الأمر المشاركة الظاهرية إلى المشاركة الفعلية في القيام بمراقبة العملية التنموية والتخطيط لها وتفعيل مبدأ المحاسبية من قبل المجتمع، لأن الفجوة بين المواطن والمسؤول زيادة على تصرفات كهذه تغذي الشائعات ومن ثم تفقد الجهات المعنية مصداقيتها، فضلا على أن تكرار الأحداث وتزايدها كظواهر يوجب دراستها ومعرفة أسبابها كمؤشر يتطلب النظر في أسلوب العمل الإداري الحقيقي بداخل هذه الجهات، وتبقى مهمة المسؤول الناجح بوضع الضوابط التي تحدد معايير النجاح في مسار العمل أفضل من ظهوره كالخائف على ضياع «الكرسي».