-A +A
هاني الظاهري
قبل نحو شهر نشرت مقالة هنا بعنوان «العرب بحاجة جمهوري في البيت الأبيض»، أشرت فيها بوضوح إلى قناعتي التامة بأن هذا الكوكب يصبح أكثر أمانا حينما يحكم الجمهوريون الولايات المتحدة، ذلك لأن واشنطن حينها تصبح أكثر ميولا لممارسة دور «الشرطي» الحاسم الجاهز لفرض الضغوطات السياسية على القوى التي تهدد السلم العالمي، كما أنها تصبح أكثر تحفزا للاضطلاع بدورها القيادي الدولي للتدخل العسكري البري في أي بقعة مضطربة قبل أن تتحول إلى سوق لتصدير الإرهاب لبقية بقاع العالم، وهذا ما كان سيحدث في سوريا قبل 4 سنوات لولا وجود الرئيس الديمقراطي الضعيف أوباما الذي حمل السعودية أخيرا مسؤولية كل مصائب المنطقة هربا من تحمل مسؤولية التخبطات السياسية المريعة لبلاده طوال فترة رئاسته.
«الحمار» هو شعار الحزب الديمقراطي الذي جاء منه أوباما.. وفي عهده انبطحت حكومة أكبر قوة في العالم لمشروع طهران الأسود وقاتلت من أجل إقرار الاتفاق النووي لرفع العقوبات عن الدولة التي كان الرئيس الجمهوري جورج بوش يصنفها ضمن «محور الشر»، وعندما حاول الكونجرس عرقلة الاتفاق الكارثي صرخ أوباما بكل قوته: «سأستخدم حق النقض»، مما أدى في نهاية المطاف إلى إقرار أعضاء الكونجرس الأمريكي بالأغلبية قانونا يقيد قدرة الرئيس الأمريكي على رفع العقوبات عن إيران بموجب الاتفاق النووي معها، ووافق أغلبية الأعضاء حينها على إصدار قانون «شفافية تمويل إيران للإرهاب»، لكن مع ذلك استمرت حكومة الديموقراطيين في الانبطاح لتنظيم خامنئي الحاكم في إيران للدرجة التي دافع فيها أوباما أخيرا من خلال تصريحاته في مجلة ذي أتلانتيك عما وصفه بحق طهران في مد نفوذها في المنطقة، بينما وصف السعودية بـ«الراكب بالمجان»، متجاهلا أن العالم كله يشاهد حاليا حفلة ركوب مجانية يمتطي فيها «المرشد الإيراني الأعلى» ظهر البيت الأبيض بشكل غير مسبوق تاريخيا.

تصريحات أوباما الأخيرة لن تقدم أو تؤخر شيئا في الواقع السياسي، فما هي إلا أشهر ويلملم حقائبه مغادرا كرسي الرئاسة إلى غير رجعة، لكنها تقدم درسا مجانيا لحلفاء أمريكا حول العالم مفاده «المصلحة أولا»، و«المساومة ثانيا وثالثا وأخيرا»، فعندما تتعاون أي دولة مع واشنطن في أي شأن سياسي أو عسكري عليها أن تكون جاهزة لمساومتها بذلك، لا يوجد شيء في السياسية اسمه «فعل الخير السياسي»، عندما تقدم شيئا لابد أن تأخذ شيئا مقابله، والسعودية قدمت الكثير للولايات المتحدة طوال عقود، وكانت وما زالت المحور الأساسي لمكافحة الإرهاب في المنطقة، ولعل مقالة الأمير «تركي الفيصل» التي نشرت أخيرا تحت عنوان «لا يا سيد أوباما» جاءت بمثابة كشف حساب مختصر ومباشر ومطلوب حتى وإن كان الوقت تأخر كثيرا لمحاولة إنعاش ذاكرة هذا الرئيس، فهي رسالة يجدر أن تتحول إلى مقدمة أجندة عمل مع الحكومة الأمريكية القادمة خصوصا إن كانت «ديموقراطية»، أما إن كانت جمهورية فلا شك أن «الفيل» الجمهوري لن يكون جاهزا للركوب كما هو وضع «حمار» حزب الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة أو «شرطي العالم المريض».