-A +A
هاني الظاهري
لسنوات طويلة كنت أعتقد أن أنظمة المنع والسماح بدخول الكتب إلى السعودية مرتبطة بالكميات الكبيرة والمكتبات والموزعين، وأن نسخة واحدة من أي كتاب يحملها الشخص معه في الطائرة وهو قادم من الخارج أو تصله عبر البريد لا تشكل هما للجهات الرقابية ولا تحتاج لفسح، ذلك لأن حامل الكتاب في الغالب باحث أو كاتب وسيستفيد منه كمرجع لبحثه أو مقالاته أو حتى للرد على مؤلفه، وهذا ما كان يردده على مسامعي منذ سنوات كثير من أصدقائي المثقفين الذين تُمنع إصداراتهم الخاصة أحيانا لكن ذلك لا يمنعهم من استقبال نسخ محدودة منها عبر البريد من دور النشر التي تصدرها في الخارج دون أي إشكالات تُذكر.
اعتقادي السابق تم نسفه تماما الأسبوع الماضي على يد أخينا مندوب الإعلام في جمارك مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، إذ وصلت باسمي طلبية عبر البريد السريع من إحدى دور النشر الخارجية تحتوي على 10 كتب بعناوين مختلفة، أي نسخة واحدة من كل عنوان، فما كان منه إلا أن احتجزها في مكتبه لنحو 12 يوما، بينما أنا في حيص بيص مع شركة البريد، وأوزع الاتهامات بالتقصير والتأخير المتعمد وإضاعة الطرود على العاملين فيها، ثم أقنعت نفسي بأن الشحنة ضاعت وفوضت أمري لله، لكن بعد مرور 16 يوما من تاريخ الإرسالية تلقيت اتصالا من الشركة يفيد بوصولها فحمدت الله كثيرا وذهبت لاستلامها؛ لأتفاجأ بأن بعض الكتب اختفت قبل أن تقع عيني على ورقة داخل الطرد تحمل توقيع رئيس المجموعة الجمركية الثالثة وتوقيع مندوب الإعلام (أي مخاطبة داخلية بينهما) تفيد بحجز بعض الكتب دون توضيح السبب؛ ولأنني رجل لا أحب الأخذ والرد ولا أعرف طريقة لاستعادة كتبي المحجوزة وفي الوقت ذاته حريص على اقتنائها لأغراض بحثية، شمرت عن ساعدي، وبحثت عنها في شبكة الإنترنت فوجدت نسخا إلكترونية منها متاحة للتحميل في عدد كبير من المواقع، فحملتها وكفى الله المؤمنين شر القتال، لكنني ما زلت أتساءل بحق عن مدى قناعة إخواننا في الجمارك بجدوى منع نسخة واحدة من كتاب معين والتعامل معها وكأنها مادة مخدرة أو حزام ناسف فيما الكتاب ذاته متاح للجميع عبر الإنترنت دون قيود أو محاذير!

قبل انطلاق معرض الرياض للكتاب بأيام تلقيت دعوة كريمة مدفوعة التذاكر والإقامة من قبل اللجنة المنظمة لحضور حفل الافتتاح وفعاليات المعرض لكنني ولظروف خاصة في اللحظات الأخيرة لم أتمكن من تلبيتها، ولو كنت فعلت فأنا متأكد من أنني سوف أجد عناوين الكتب التي احتجزها جمرك المطار تباع دون مشكلات في المعرض كما هي العادة السنوية التي نفاخر بها في السعودية، فهل يدرك الأخ مندوب الإعلام هذا الأمر أم أنه لا يعنيه من قريب أو بعيد كما أتصور؟.
أعرف أنه ليس من العدل مناقشة موظف في تطبيقه للنظام، فهي مهمته التي يتقاضى مرتبه من أجلها، لكنني استغرب من وجود نص في النظام عام 2016، زمن الانفتاح الإلكتروني الكوني، يتعامل مع نسخة من كتاب كعبوة ناسفة، وأتمنى من كل قلبي أن يكون هناك خطأ ما.