-A +A
هاني الظاهري
خلال بث لقاء مع إحدى الزميلات الإعلاميات على شاشة القناة الثقافية السعودية من داخل معرض الرياض للكتاب الأسبوع الماضي فوجئ المشاهدون بشخص مجهول يقتحم المسافة الفاصلة بين مقدم البرنامج والضيفة ليأمرها بتغطية وجهها رغم أنها محجبة، هكذا على الهواء مباشرة ودون أن يكون له أي صفة رسمية أو عائلية تخوله لاختراق خصوصية سيدة سعودية مستقلة يتابع ظهورها التلفزيوني عدد مهول من الناس من ضمنهم أقاربها دون شك.. وبالطبع اضطرت الزميلة لتجاهل ذلك الشخص وكأن شيئا لم يحدث تاركة للمشاهدين حرية اعتبار ما حدث فاصلا فكاهيا أو إعلانيا لحزب «الاحتساب غير النظامي» الذي قرر أن يوجه رسالة للسعوديين عبر عملية «مباشتة فردية» فحواها «نحن مازلنا هنا».
و«المباشتة» مصطلح أطلقته قبل سنوات على أحد أشهر السلوكيات التضليلية في أدبيات فلول «تيار الصحوة»، وهو سلوك يهدف لخداع المسؤولين وأصحاب القرار ونقل صورة مزورة عن الرأي العام لهم، ويمكن تعريفها بشكل مختصر على أنها حشد مجموعة من المتشددين معظمهم «عاطلون عن العمل أو متقاعدون أو محدودو التعليم والقدرات العقلية»، وتوجيههم للمناسبات الثقافية والوزارات ومكاتب أصحاب القرار وهم يرتدون «بشوتا» حاملين شعارات الرفض، ومدعين أنهم يمثلون المجتمع، ويتخلل تلك العملية تصويرهم ونشر الصور في شبكات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية، بعناوين تضليلية منها على سبيل المثال لا الحصر: «عشرات المشايخ والدعاة يتجمعون أمام الوزارة الفلانية لمقابلة الوزير والاعتراض على قراراته»، وهكذا يعتقد هؤلاء أنهم سينجحون في إيهام المسؤول وكذلك المتابع بأن القرار مخالف للدين والأعراف الاجتماعية ومرفوض شعبيا، وما إلى ذلك من الترهات التي لا أظن أنها باتت تنطلي على أصحاب العقول في هذا العصر.

سادت ظاهرة المباشتة طوال العقد الماضي وسجلت أحداثا لا تنسى ثم خفتت نسبيا بشكل ربما دعا دهاقنتها لدفع أحد أتباعهم لتنفيذ عملية «مباشتة فردية تقليدية خاطفة» عبر شاشة إحدى قنوات التلفزيون الرسمي لإثبات أنهم ما زالوا في طور الصمود أمام سيل الوعي الاجتماعي الذي قذف بهم خارج اللعبة، ولعل أبرز الأدلة على سقوط هذا الحزب من حسابات الناس هو أن العملية الأخيرة لم تثر ضجيجا، إذ اعتبر كثير من المتابعين منفذها «مختلا عقليا» وانتهت الحكاية عند هذا الحد، ومع ذلك لا يمكننا الجزم بأن «المباشتة» كظاهرة أشرفت على الوفاة، إذ أن ظهور شبكة تويتر وبلوغ نسبة انتشارها بين مستخدمي الإنترنت في السعودية لنحو 40 في المئة (أي النسبة الأعلى في العالم حسب دراسة أجرتها شركة «واي تو دي» المتخصصة بالتسويق الإلكتروني) حوّل «المباشتة» إلى ظاهرة إلكترونية تحت مسمى «الهشتقة»، فأصبحت لعبة التضليل تمر عبر شاشات أجهزة الهواتف المحمولة لكنها تظل محدودة التأثير أيضا لمعرفة المختصين بأساليب التزوير في تويتر لصناعة «الوسوم» المدفوعة بمئات وربما آلاف المعرفات الوهمية بهدف افتعال ضجة «مزورة» لا وجود لها على أرض الواقع.