-A +A
هاني الظاهري
النزاع القائم بين غرفتي مكة وجدة للتجارة والصناعة حول مديونية تدعيها الأولى وتماطل الثانية في سدادها «حسب المنشور» كشف بما لايدع مجالا للشك صحة ووجاهة المثل الشعبي العتيق «جيتك يا عبدالمعين تعين.. لقيتك يا عبدالمعين تتعان»، فالمتحدث باسم غرفة مكة «سعد القرشي» يهدد باللجوء إلى القضاء الشرعي لاستعادة حقوق غرفته، ورئيس مجلس إدارة غرفة جدة «صالح كامل» يرد عليه بما معناه «لنذهب للقضاء» مع أن الغرف التجارية ذاتها وفي كل دول العالم تختص رسميا بفض المنازعات التجارية عبر التحكيم التجاري لا إشغال المحاكم بقضايا التجار ومن في حكمهم!
لا أعلم حقيقة إن كان طرفا هذه القضية «الطريفة على كل حال» يدركان أن إحدى فقرات المادة الخامسة من الباب الثاني من «نظام الغرف التجارية والصناعية» الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/6 وتاريخ 30/4/1400هـ تنص على أن من اختصاصات الغرف «فض المنازعات التجارية والصناعية بطريق التحكيم إذا اتفق أطراف النزاع على إحالتها إليها»، أي أن من أبسط واجبات الغرف تشجيع التجار المتنازعين على اللجوء لمراكز التحكيم فيها لفض منازعاتهم التجارية بدلا من إشغال المحاكم الشرعية وإطالة زمن النزاع، لكن كيف سيتم ذلك إن كانت الغرف نفسها تهدد بعضها البعض بالقضاء.. وكيف سيثق التاجر فيها وفي مراكز تحكيمها طالما أنها تقفز بنفسها على هذا المفهوم وكأنها تقول بالعامية وبكل صراحة «مش أنا اللي ينضحك عليا بالتحكيم التجاري»!

الأغرب من ذلك هو تلويح كل من طرفي النزاع وعبر الصحافة باللجوء إلى إمارة المنطقة ووزارة التجارة، وهو تلويح يضرب استقلالية الغرف كمؤسسات مجتمع مدني في الصميم، إذ إن إمارة المنطقة ليست مرجعا لهما حسب الأنظمة، كما أن الغرف جهات اعتبارية مستقلة وليست إدارات في وزارة التجارة، وللأسف أن غياب هذه المفاهيم الأساسية ليس جديدا، بل ساد خلال العقد الماضي بشكل أفقد الغرف قيمتها ومكانتها حتى باتت جدارا قصيرا لمختلف الجهات وتحولت الصورة العامة للغرفة من كونها بيتا للتجار والصناع يدافع عن حقوقهم ومصالحهم إلى مجرد جهة تنفيذية لإقامة المنتديات والمهرجانات فقط، وهذا الواقع الذي يخشى كثير من أعضاء مجالس إدارات الغرف مناقشته متبعين المثل الحضرمي الشعبي «قع نملة تاكل سكر» أي اجعل من نفسك نملة لا يلاحظ وجودها أحد لتفوز بالسكر دون ضجيج.
ما سبق هو حديث المعاتب قبل كل شيء، فلا أحد يسره الحال الذي وصلت إليه الغرف التجارية الصناعية بعد عقود من الاستقلالية والإنجازات، ونذكر الأحبة في مجلسي إدارة غرفتي مكة وجدة أن الجهة التي يفترض أن تحل النزاع وتحفظ استقلالية الغرف بدون ضجيج وتصريحات صحافية هي «مجلس الغرف السعودية»، وأن قفز الغرفتين عليه سابقة سيئة، وتهميش لا ينبغي، كما أنه يمثل حلقة جديدة في مسلسل تكريس الصورة الخاطئة للغرف كـ«جدار قصير» بلا قيمة، ومزعج أيضا.