-A +A
مها الشهري
التفكير في مستقبل العالم الإسلامي يتطلب النظر إلى مشكلاته القائمة، ولعل هذا يبدأ من نواة العلاقات الفكرية والسياسية والاقتصادية التي تسعى إليها المملكة مع تحالفاتها بعد أن وصلت المنطقة إلى منعطف خطير.
الموقف يفرض بالضرورة انحسار الدور الإيراني الذي ربما حقق لسياسة الولايات المتحدة بعض أهدافها في تدمير أجزاء من الشرق الأوسط ثقافيا وحضاريا واقتصاديا، بينما يأتي الرفض لسياسات إيران من كونها لا تمارس دورها كقوة إقليمية على نحو التعاون الثنائي، إنما أخذت تعمل بكل ما لديها في تصدير الطائفية والميليشيات وإثارة الفوضى التي كانت ومازالت تهدد أمن المجتمعات العربية وتمزق وحدتها، وبالرغم من أن تطلعات إيران تتفوق على قدرتها الحقيقية إلا أن وسيلتها في السيطرة والتمدد لا تقوم إلا على أنقاض الخراب وأساليب التخريب.

يتفق الجميع على أن التحولات التي تمر بها المنطقة خطرة، لكن الاختلاف في طريقة تشخيص المشكلة والرؤية إلى الخطر وكيفية مواجهته، ومن ذلك تداخلت العوامل التي أفرزت الإرهاب وأزمت الانقسامات التي جاءت كنتيجة للتغيير وسقوط بعض النظم السياسية العربية وما تبعها من النزاعات الشعبية من جهة، والاستغلال الإيراني لفشل التغيير في هذه الدول بتهييج النزاعات الإثنية في العراق واليمن وسورية لمد نفوذه من جهة أخرى، على سبيل التدخلات المرفوضة في كل الأعراف الدولية حتى تلك التي تقر بها أمريكا.
في ظل صراع القوى كان ولا بد من اتخاذ موقف حيوي لاستعادة التوازن وللمواجهة المباشرة من قبل المملكة بعد الصبر الطويل على مشاكسات إيران، فكان موقفها القيادي للتحالف الإسلامي بفرض نفسها ومركزيتها وتحقيق قوتها الإقليمية لما يتطلبه الموقف، بعد أن رفعت السياسة الأمريكية يدها عن ملفات الشرق الأوسط جراء التباين الكبير في المواقف السياسية، ما أدى إلى تحرر نسبي من تلك العلاقة دفع بالمملكة للقيام بدورها ومسؤولياتها في المنطقة، فالنهضة لا تخلق من التبعية إنما تأتي في سياق المواقف الاعتبارية الذاتية.
تكتمل الشروط بتجاوز أسباب الانتقادات والاستشفاء من الشلل الاجتماعي، فالعالم العربي اليوم عبارة عن خليط من الصراعات بين الموروثات القديمة والأفكار التي قدمها الإصلاح، وبالرغم من أن وجود هذه العناصر ضروري في أي مجتمع ناشئ يتطلع للنهوض، إلا أنه لا بد من تحليل الأفكار الميتة وتصفية المميت منها، لا بد من إحياء النهضة العلمية وانعكاساتها المادية وإدخالها في سياق التحكم بتنظيم المجتمعات، لا بد من دعم الفاعلية التي تبقي المجتمعات على قدر من التفاعل والانسجام وتوجيه الأفكار نحو أهميتها، لا بد من خلق جموح فكري يشرف على توجيه الحياة الاجتماعية لنشوء مجتمعات قادرة على إدارة نفسها وتحمل المسؤولية.
إن القدرة على إيجاد هذه المعطيات بقيمة الفكرة والعمل ستخلق من المجتمعات العربية نسيجا متماسكا، وستجعل لها سبيلا في السيطرة على أوجه حياتها.