-A +A
هاني الظاهري
برداً وسلاماً على المواطنين من ذوي الدخل المحدود جاءت التصريحات التي نشرتها وكالة بلومبيرغ أخيراً لسمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حول التوجه لتخفيف عبء خفض الدعم عن المواطنين.. أوضح الأمير بشكل صريح ومباشر ودون أي تحفظ مستشعراً هم المواطن الفقير قبل غيره أن تعرفة المياه الجديدة طُبقت بطريقة «غير مرضية»، وسيتم تصحيحها، كاشفاً أن ما حدث لم يكن وفقاً للخطة التي تمت الموافقة عليها، وأن العمل يجري حاليا على إصلاحات داخل وزارة المياه «نفسها» بسبب ذلك، وهذا هو المنتظر والمتوقع فالسعوديون يدركون أن قيادة بلادهم لن تقبل بأن يتأثروا بشكل كبير جراء تخفيف الدعم الحكومي، وأن مسيرة إصلاح الأوضاع الاقتصادية ستستمر وفق المرسوم لها دون أن يشعروا بأي ضغط رغم أنهم شركاء أساسيون فيها، هذا بجانب أن رفاهيتهم وسعادتهم محور رئيس لكل أهداف برنامج التحول الوطني الذي سيتم الإعلان عن خطته يوم 25 أبريل الجاري.
الأهم من معالجة أخطاء تطبيق «تعرفة المياه» ما كشفه الأمير عن الآلية الذكية التي سيتم اتباعها لتحسين أوضاع الفقراء ويتزامن تطبيقها مع إجراءات تخفيف الدعم الحكومي عن السلع والخدمات.. قال الأمير بإيجاز تام: «دعونا نفترض أن أسعار الكهرباء دوليا تعادل ألف ريال، والمواطن السعودي يدفع 50 فقط، نحن سنعطيه ألف ريال ونزيد أسعار الكهرباء، فيكون لديه خياران، إما أن ينفق هذه النقود في شراء الكهرباء، أو تقليل الاستهلاك، واستغلال هذه النقود في شيء آخر».

هذه الآلية الذكية في معالجة مسار الدعم الحكومي وتحقيق أعلى فائدة للمواطن المستحق منه تتجاوز إشكالا قديما وتاريخيا في مسألة دعم الخدمات والسلع بشكل عام، فطوال عقود كانت النسبة الأعلى من المستفيدين من الدعم الحكومي تتمثل في فئات ليست بحاجته من الأساس، أو فئات غير مستحقة له.. كان الثري الذي يمتلك المصانع التي تستهلك موارد الوطن ويجني الربح منها، وكذلك المقيم الأجنبي (سواء كانت إقامته بشكل نظامي أو مخالف) يشاركان المواطن المستحق في حصته من الدعم الحكومي.. هكذا دون أي ضابط أو مقياس، ذلك لأن من المستحيل ضبط عملية توجيه دعم الخدمات والسلع بكفاءة حقيقية دون الدخول في إجراءات طويلة ومعقدة وهو ما تسبب في استمراره طوال تلك السنوات بالشكل التقليدي، ولعل من المهم الإشارة هنا إلى قضايا سابقة تم ضبطها للاستغلال غير القانوني للدعم الحكومي، منها على سبيل المثال تهريب مشتقات النفط المدعومة سعرياً لبيعها في الخارج من قبل بعض ضعاف النفوس من التجار، وكذلك إعادة بعضهم تصدير سلع مدعومة من الحكومة إلى الدول المجاورة، وغير ذلك كثير مما لا يسمح المجال لحصره.
إجمالاً يمكنني تكرار قول إن الثروة السعودية السيادية الحقيقية والأهم اليوم هي «العقل» الذي يصنع الآليات الذكية لإدارة الاقتصاد واستثمار الموارد بالشكل الأمثل، وهذا بالضبط ما يفعله الآن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بقيادة ربانه الشجاع «محمد بن سلمان».