-A +A
مها الشهري
التحول أو التغير الثقافي يعني التغير النوعي الذي قد يواجه العديد من الصعوبات والمشكلات القائمة على الصراع الثقافي وضدية التيارات، وسنجد أن الحركيين من التيار الديني استطاعوا تكريس الكثير من التصورات وتحديدها في أطر معينة من خلال ملامسة روحانية الناس واستمالة عواطفهم لأهداف شعبوية أو وصولية، ومنها أخذ المجتمع يتصور بأن الخارج عن هذه النمطية هو خارج عن دينه، حتى أصبح الدين أحد المقومات التي تدرج في معنوية الصراع الاجتماعي وموضوعاته قياسا على الفكرة والمعتقد والسلوك.
رغم ظهور تيار للتسامح والاعتدال الديني الذي نجده مجسدا في رمزيات لها شعبويتها الكبيرة، إلا أنه لم يخرج المجتمع من ترسبات الخطاب المتطرف الذي أطبق على فكره وساهم في إفلاسه من أدبيات التعايش والحوار الحضاري لعقود طويلة، وهذا ما رسخ نمطية الأفكار التقليدية في الفكر الاجتماعي، بالطريقة التي جعلت المجتمع لا يجد غير التقليد بديلا لبناء هوياته، وما زال إنسان اليوم هو إنسان الماضي الذي لا ينظر إلى المستقبل بالطريقة التي تحقق الطموح، هذا يعني أنها لم توجد الخيارات والبدائل الحضارية التي تتطلب تعميقها في الحياة العامة ويحقق المجتمع نفسه من خلالها.

لا يوجد مجتمع مثالي خالٍ من الاختلافات، ولكن التحدي في كيفية تنظيمها وإدارتها بالطرق التي تساعد في دمجها ضمن إطار الهوية العامة للمجتمع، حينها سيتحول التنوع الاجتماعي من حالة التنازع إلى التناغم، فيأتي التركيز على القواسم المشتركة لتذويب الفروقات وإضفاء القيمة على الأفكار الجديدة حتى تأخذ حيزا في اعتبار الناس، ولدينا اليوم أرضية خصبة للأفكار التنويرية المغيبة التي تأخذ جميع الأطياف في المجتمع على محمل الاعتبار والأهمية، لكنها ستبقى مشلولة ما لم يتم تمكينها وتفعيلها للتأثير والتغيير، فهذه القيمة ستجعل الجميع يشعر بتشارك المسؤولية في البناء، وبدلا من أن تعامل الثقافة والوعي كدخيلة على التقاليد ستعامل بالحاجة إلى الارتقاء بها.
في أقل من خمس سنوات يمكن صناعة الفرق، وتنمية المشهد الثقافي يجب أن تأخذ مسببات النمو على اتجاهات عديدة لا تتناقض في الأساليب مع بعضها حتى لا تعيق تحقيق الأهداف، فلا بد من تمكين الخطاب الثقافي الواعي وتمكين أساليب التأثير والحد من تلك التي غيبت التنوير عمدا، لا بد من حماية المؤسسات الثقافية ودعمها وإدماجها في المجتمع ومؤسساته حتى تقدم دورها، لا بد من إصلاح خطاب المسجد في دعوة عامة وطنية للتعايش تحت مظلة التسامح والدين، لا بد من إحياء الفن والنظر للحياة من جوانبها الأجمل، هذه وغيرها من الأساليب في مقدرتها إيقاظ الفرد من سباته ليتطلع للمعرفة ويعي بها ثم يقدم نفسه للآخرين كمثقف وفاعل في التغيير للأفضل.