-A +A
مها الشهري
قد يرى بعض النقاد أن المجتمع السعودي صدامي ويصعب تطبيعه، ولكن من الصعب أن ننظر لهذه الحالة كمعوق في مواجهة التغيير، فهي أساليب من الممانعة تدفعها قلة الحيلة وانعدام المسؤولية ولاتتجاوز الرفض والمعاكسة لأي شأن يتم تداوله على المستوى الاجتماعي، نتجت عن ظواهر من التعددية الفكرية وخلفها الانفتاح الثقافي على مجتمعنا الذي عاش في فترات طويلة بوصفه مجتمعا مغلقا.
عند النظر لطبيعة المجتمع السعودي الذي تشكل بناء على أفكار (أحادية) ولم يجد الفرص الكافية من الهامش النفسي والفكري لاستنتاجها، وإنما انصهرت في وعيه الاجتماعي من جوانب أخرى استفردت بها مجموعة من الناس، فأصبح الفرد يبحث عن حلول مشكلاته من خارج نفسه، ووصل به الحال أن يستفتي في كل سلوك يفعله، وهو في هذا الوضع محكوم بعوامل خارج إطاره الذاتي ولا يفعل إلا ما يفعله الآخرون، وبهذه الحالة نجده مجتمعا عاطفيا لا عقلانيا، أي أن عامل التقليد هو الأكثر تأثيرا على السلوك الاجتماعي مما يسهل تشكيله، الأمر الذي يمكن من توجيهه لإحلال الأفكار الجديدة وتعميقها في تفاعلاته وثقافته.

لدينا قائمة من الأمور التي كانت تصنف كدخيلة على الدين والحياة الاجتماعية، بينما وجدنا الفئة التي كانت تمنعها وتضلل العقل الاجتماعي والرأي العام وتسلب عاطفته ووعيه هي أول من استفادت منها بعد تطبيعها وتداولها كسلوك اجتماعي، هذا يعني أننا كأفراد نتجادل في زوبعة من الأفكار المتضادة وغير المنظمة، ومنها جاءت الصدامية كحالة صحية ناتجة عن ذلك، وبرغم جميع ما يحصل إلا أنه لا يمكن أن تنبثق السلطة من المجتمع، ولا يمكن له بهذه الحالة أن يكون مؤهلا للمشاركة في القرار، وبرغم كل الجدل الذي تبعثه كل قضية يبقى مجتمعنا عاجزا عن إدارة نفسه، ويحتاج إلى عقود للتدريب في مسؤولية المشاركة بالرأي، وهو بهذه الحالة من أسهل المجتمعات التي يمكن أن تستجيب لفرض أي قرار مهما كانت صعوبته، غير أن فرض القرارات سيحور مشاعر الناس من الرفض إلى القبول وسيكون الانقياد والامتثال هو النتيجة، والشواهد على ذلك كثيرة.
لا أرى أن رغبات المجتمع مبررا للتأجيل وفقدان المزيد من الوقت، فقضايانا المعقدة والبسيطة في حد ذاتها أصبحت الأكثر إثارة لتندر العالم وسخريته، وقد كان لدينا الكثير من القضايا التي أكل عليها الزمان وشرب ولم يوجد منها جدوى سوى ضياع أعمارنا وإشغال المجتمع بالتوافه عن دوره التنموي الحقيقي.
خلاصة القول، لا ينبغي انتظار المجتمع ليتغير من تلقاء نفسه، فالقرارات السياسية تخلق الثقافة وتحسم أمرها، والحل الأمثل لكثير من المشكلات الراهنة تقع مسؤوليته على السياسي وصانع القرار وليس المجتمع.