-A +A
أحمد عجب
كثرت في الآونة الأخيرة، جرائم الاعتداء على النفس، وهو أمر غريب للغاية، ليس فقط لفداحة الجريمة الحاصلة، وإنما لأنها أصبحت ترتكب حتى في أكثر الأماكن هدوءا كالمشافي، ويمكن أن يرتكبها إنسان يحمل أكبر الدرجات العلمية، والأغرب من ذلك، أنه لم يعد هناك وقت لدى الجاني ليضع خطة جهنمية يستدرج من خلالها الضحية لمكان مهجور ثم يعمد إلى إخفاء معالم الجريمة، بل بات يخرج مسدسه ويسدد طلقاته أمام أعين الناس دون خوف، مع أنه يعلم تماما بأن الشرطة ستنجح في ملاحقته والقبض عليه وتقديمه للعدالة، لكن هذا كله لم يثنه عن الاستجابة لأوهامه وإتمام جريمته، وهو الآن يقبع وحيدا بزنزانته محدقا في سقفها راجيا المغفرة من الرب والعفو من أولياء الدم !!
في ظرف أسبوعين فقط، فجع مجتمعنا بثلاث جرائم كبيرة، أولها تعرض طبيب نساء وولادة بإحدى المدن الطبية لطلق ناري من قبل أحد أهالي المرضى، وثانيها حدوث مشاجرة جماعية عنيفة بين مجموعة من الشباب استخدموا فيها الأسلحة البيضاء وأسفرت عن مصرع شابين وإصابة ثالث بجروح خطيرة، وأخيرا وليس آخرا، الجريمة العائلية البشعة التي حدثت بأحد المنازل حين قام الأخ بقتل أخيه قبل أن يأتي ابن القتيل ويجهز على عمه القاتل !!

ربما ننقاد في البداية خلف القصة التي تحاك حول الجريمة، وربما تتضح لنا الأسباب لاحقا أو تدفن للأبد، لكننا بالتأكيد أمام عظم وفداحة هذه الجرائم ندرك بأن الناس أصبحوا سريعي الغضب لا يتحملون أي زلة أو نقاش، وإذا كنا قبل فترة نضحك على نصيحة من يدعونا إلى تجنب المشادات بأن نقول للمخطئ احنا غلطانين وحقك علينا، بل كنا نصمه بالخواف، فإننا اليوم بأمس الحاجة للأخذ بهذه الحكمة البليغة وتدريسها ضمن المناهج التعليمية تحت موضوع (من خاف سلم).
في بعض الدول الغربية، يحكم القضاء ضد من يرتكب جريمة الاعتداء على ما دون النفس، باتباع حصص تدريبية تدور مواضيعها حول (التحكم بالغضب) وقد ولدت هذه الفكرة الجميلة نجاحات كبيرة لدى الناس الذين يعانون من صعوبات في السيطرة على انفعالاتهم، كما أنها خفضت كثيرا من معدل ارتكاب الجرائم الكبيرة، خاصة بعد أن بدأ الناس من تلقاء أنفسهم ودون أحكام قضائية بالالتحاق بهذه الدورات المفيدة، أما لدينا فالمتهم بالاعتداء إما أن يسجن ويجلد فيعزز لديه ذلك العنف والضغينة، أو يتم إخراجه بواسطة فيستهين بالمسألة وبأرواح الناس البريئة !؟
أحيانا يتحجج صناع الدراما، بأن ضعف ما يقدمونه يعود لندرة النصوص الجيدة، وربما يكون عذرهم هذا في محله، لكن لا ذنب لنا نحن الكتاب، فالقصة التراجيدية يفترض أن تكون مرآة للواقع الذي نعيشه، وأمام الجراءة العجيبة التي نشهدها في ارتكاب الجرائم، يصبح من الصعب إيجاد ذلك السيناريو المحبوك لقصة قتل غامضة تشد المشاهد على مدى 30 حلقة وتجبره على أن يشك في جميع أبطال العمل حتى يكتشف في الأخير بأن القاتل أحد أفراد العائلة، اليوم المسلسل لا يحتمل أكثر من ثلاث حلقات، خلاف بين اثنين فمشادة كلامية ثم يخرج كل منهما سلاحه، وفي النهاية يشترط ذوو الدم تعويضا لتنازلهم بعشرات الملايين تجمعها العشيرة وتدفعها إنقاذا لرقبة حبيبهم الجاني !!