-A +A
فؤاد مصطفى عزب
كان الحديث يدور عن الإرهاب الذي أصبح مثل الإيدز والتهاب الكبد فهو مرض لا يوجد له علاج جاهز وعن الحوادث المأساوية التي أفرزها هذا الوباء وكيف يتحول الإنسان فجاءة إلى «ربوت» لا علاقة له بالآدميين.. ومن أين أتى هؤلاء الذين جعلوا الموت في كل مكان وامتد الحوار إلى الحادث الأليم الذي أثار غضب البشر المفكرين ومن فقد التفكير في حينه!! وكيف فجر المجرم نفسه ليقتل من أطعموه وتركهم قتلى ممددين مثل نخيل هذا الوطن عندما يهوي على الأرض يزداد طولا.. وصعقت من سذاجة ردود الفعل التي ظهرت واضحة لي نحو إصرار البعض على أن الأمر كان مفاجأة لهم ووقع عليهم كالصاعقة واستغربت من عنصر المفاجأة من حدث بدأ منذ سنوات وأفصح عن هويته وأعلن أمام العالم كله أنه متواجد ليلا ونهارا وفي كل مكان أين هي المفاجأة بعد الاعتداء على الأمير النبيل محمد بن نايف حفظه الله ونحر ابن لأمه وزرع القنابل في دور العبادة.. أين هي المفاجأة وأحد المهووسين يذهب للمحكمة ليفرق بين زوج لأسباب لا صلة لها بالكتاب ولا السنة وبين زوجته وشريكة عمره أمام الله ورسوله ثم تنقسم الأمة بين مؤيد ومعارض وصامت وأبله!!
اغتيال رجال أمن في شهر فضيل في مدينة رسول الله لم يقم بها عميل من الموساد إنما قمنا بها جميعا.. لم يكن المجرم بمفرده بل كان معه آلاف من المجرمين الذين استحسنوا الفتاوى المحرضة والذين كانوا يتربصون بميكي ماوس لقتله!! وكذا ملاك الفضائيات!! كلنا اعتدينا على جنود الله الأبرياء بنسب متفاوتة عندما سمحنا لأنفسنا أن نصمت ولو للحظات «وأن نمشي جنب الحيط» وأن يسأل أحدنا الآخر فلان سني وماذا عن فلان شيعي وفلان من أي عشيرة وفلان من أي قبيلة وهذا من ذاك الفخذ وذلك من تلك البطن نسينا وتناسينا أن نعلم أبناءنا أن هذه الأرض هي أرضه وهذه السماء سماؤه وهذا الوطن وطنه هذه مراتب الفهم التي كان ينبغي أن نربي أبناءنا عليها.. بعيدا عن الطائفية والمذهبية والعنصرية..

كلنا مجرمون بنسب متفاوتة لأننا نتناقش ونتجادل في أمور هي بديهيات من قبل أن يصير الزمن زمنا... كلنا مجرمون لأننا قبلنا وتبادلنا على شبكات التواصل الاجتماعي من يقول بضرورة الفصل الكامل بين الرجال والنساء حتى في المقابر يدفن الرجال على اليمين والنساء على الشمال وتعطى الأرقام المفردة للأول والمزدوجة للآخر.. كلنا مجرمون لأننا مارسنا نفس التصرف مع من قال إن الأرض ليست كروية بل مسطحة كالصحن وإن النجوم والشمس موجودة في الأعلى والأشجار في الأسفل وإلا لسقطت البيوت في الوديان والحقول والبحار ولكان البشر يدورون على أنفسهم كالدوامات بدلا من أن يمشوا على أقدامهم.. كلنا مجرمون لأننا قبلنا بأن يأتي لمسلم العصر الحديث جني يأمره أن يزور صكا فيفعل ويقتنع البعض بذلك!!
الاعتداء على شهداء الواجب قام بكشف وجوهنا وتعرية نفوسنا المريضة وفضح حالة الجبن والخوف والضعف والنفاق التي تجتاح العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه لا فرق بين مجرم يفجر شهداء الواجب في شوارع مدينة الرسول وبين قاتل يقذف العاصمة السورية بصواريخ إسلامية وآخر يهرب أسلحة «للحوثيين» في اليمن أو يصدر فتاوى لا وزن لها ولا تساوي أكثر من جناح جرادة يشغل بها الأمة عن أهدافها الحقيقية فقط ليبين لهم الفرق بين غطاء شعر الرأس وغطاء شعر العانة لا مؤاخذة!!
كلنا ساهمنا معا في ذبح هذا الوطن وإيذاء الإسلام وتشويه آخر الأديان السماوية وتشجيع التخلف والتطرف والعنف واللا تسامح والتكفير ومحاربة التنوير.. عندما تقدم المجرم وأمسك بيد غير مضطربة بمكبس التفجير لم يكن القاتل وحده فنحن الذين فتحنا له الأبواب وأعطيناه الديناميت والبارود والكبريت ووعدناه ببيت في الجنة.. المجرم لم يكن وحده فقد وقفنا نصفق له كل بطريقته المنهج الذي درسه والمدرس الذي علمه والبيت الذي لم يشرف على تربيته ووسائل الإعلام وخطبة المسجد التي لم تؤثر فيه بما يكفي.. أليست هذه الحقيقة.. نعم كلنا مجرمون وليغفر لله لنا.