-A +A
أحمد عجب
مع أن بعض المنشآت الأهلية، تأخر صرف أجور العمال فيها للشهر السابع، إلا أن هناك من يرى بأن هذه المسألة ثانوية ولا تستحق كل هذه الضجة، وأن العمال بالغوا كثيراً في ردود أفعالهم، كما بالغ المثقفون والمغردون في تناولهم لهذه القضية وفي تعاطفهم مع هذه الفئة الكادحة، وإذا يعني تأخر الراتب شهرا أو شهرين أو حتى سنة، خير يا طير، أصلاً ما في أحد بيموت جوع، ثم إنها فرصة ثمينة ليرد هؤلاء العمال المتذمرون ولو جزءا من جمائل الشركة عليهم وبعضاً من الخير الذي وهبته لهم طوال الأعوام الماضية!
حين يتأخر راتب العامل السعودي، فإن حالته المتواضعة تسوء أكثر، حيث لا يملك رصيداً ولا دخلاً إضافياً كرؤسائه حتى يمكنه الاعتماد عليه، وقد يبدأ عجزه من اليوم التالي عن توفير الأكل واللبس لأفراد أسرته، ثم تتكالب عليه المشاكل مع الأيام، رسائل الديانة تملأ جواله، وطلب إخلاء الشقة معلق على بابه، حتى السيارة التي كانت تنفعه في قضاء مشاويره نفذت الوكالة تهديدها وسحبتها من أمام العمارة، وها هي محكمة التنفيذ تكمل الناقص وتأمر بحبسه لعجزه عن الوفاء بقرض البنك، يحدث له كل هذا، لأنه كلما أعاد أسطوانة مبرراته جاءته الإجابة: وإذا يعني تأخر الراتب!؟

حين يتأخر راتب العامل الأجنبي، تسد بوجهه كل الأبواب ويصبح معلقاً، فعدم قيام الشركة بصرف رواتب العاملين يعرضها بعد أسبوعين لوقف خدمة تجديد الإقامات، وما إن تنتهي إقامة العامل حتى يقفل ويتجمد حسابه البنكي، فلا يستطيع الاستفادة حتى من المبالغ البسيطة الموجودة فيه، وبالمقابل لا تستطيع الشركة عمل تأشيرة خروج وعودة له، ومع أنه يحق له نقل كفالته دون الرجوع للشركة بعد مرور ثلاثة أشهر، إلا أن هذه المدة كفيلة لأن يلعن العامل الغربة ويكره اليوم الذي جاء فيه إلى هنا، وهي كفيلة أيضاً بأن يحن إلى عشته وديانته وعائلته الصغيرة!
حين يتأخر راتب العامل السعودي والأجنبي: لا تطبق أي عقوبة على العقل المدبر صاحب المؤسسة أو مدير الشركة، حيث تسير حياته بشكل طبيعي، بل يمكنه السفر للسياحة في أي من دول العالم، لا توجد عقوبات رادعة على المنشآت كشطب السجل التجاري، فكل الإجراءات التي تتخذ بحقها وقتية ولا يترتب عليها ذلك الأثر، ومع أنه يتم إلزام الشركة في الأخير بسداد الرواتب المتأخرة إلا أنه لا يوجد نص نظامي يمنح العامل الحق بالمطالبة بالتعويض لقاء الأضرار الجسيمة التي لحقت به، وكأن عدم تضمن القانون ذلك يعد رسالة مبطنة إلى العمال مفادها: وإذا يعني تأخر الراتب!؟
الغريب في الأمر، أن العامل الذي تؤلمه هذه العبارة، حين تهدأ أعصابه ويجلس مع نفسه، سوف يتذكر أنه كان يعمل مثل الآلة لإثنتي عشرة ساعة، كان يرى الترقيات والعمولات تذهب للمقربين من الإدارة، كان على الرغم من اجتهاده يضع يده على قلبه مع كل قائمة جديدة للعمال المسرحين، لم يشعر للحظة بالأمان الوظيفي ولم يهنأ يوماً براتبه الشهري، (إذن أنا زعلان على أيش) هكذا يقولها العامل بحرقة، مردفاً بتنهيدة: وإذا يعني تأخر الراتب!؟