-A +A
فؤاد مصطفى عزب
الدنيا سؤال والحياة السياسية مجموعة أسئلة، ولعل أغرب هذه الأسئلة التي خطرت ببالي هذا الأسبوع ما تداولته وسائل الإعلام من إعجاب دونلد ترامب بـ(بوتين) وما نتج عنه من جدل كبير في أمريكا، الأمر الذي دفعني لشراء كتاب متميز عن بوتين بعنوان (صراع الثروة والسلطة) للدكتور سامي عمارة؛ ولمن لا يعرفه هو أهم أحد الصحفيين العرب المقيمين في موسكو منذ سنوات طويلة.
يوضح الدكتور (سامي) في كتابه كيف استطاع ذلك الشاب متوسط القامة، نحيف الجسد، الصموت الغامض، صاحب الوجه جامد التقسيمات، أن يتربع على عرش الكرملين وأهم نقاط التحول في حياته، يقول عن حنكة الرجل إن جنوح (ثعلب الكرملين) لقرار تبادل المواقع مع رفيقه الأصغر (دمتري ميد يفيدف) في عام 2008م كان ذلك ناتجا عن تفكير عميق وبعد نظر، حيث كانا يعنيان ضمناً عزمه على العودة مجدداً لاسترداد عرشه، مستمدا قوته من صلاحيات تستند إلى تراكم الخبرات والعلاقات والاتصالات. ولأمد أطول حرص خلفه على تقنينه فما أن تسلم «ميد يفيدف» مقاليد الكرملين حتى أعلن عن استفتاء شعبي حول مد فترة الرئاسة من أربع سنوات إلى ست سنوات بما يضمن إطالة أمد بقاء القادم للحكم حتى 12 سنة في ولايتين متتاليتين، عندها سيكون قد اقترب من الثانية والسبعين وتحسباً لأي تطورات قد لا تحمد عقباها.. ألقى إلى البرلمانيين بطعم مد فترة صلاحياتهم إلى 5 سنوات بدلاً من 4 سنوات، كل شيء جرى ويجري بموجب القانون وفي إطار بنود الدستور!!. وجاء بوتين لولايتين شهدتا الكثير من الإيجابيات، وإن عاد إلى أسلوب الوصاية على شعبه، كان من إيجابياته أن جعل روسيا تملك احتياطيا أجنبيا في بنكها المركزي مقداره 419 مليار دولار، إلى جانب الاحتياطي الحكومي الذي يبلغ 8.4 تريليون. ينتقل الدكتور سامي عمارة ليكشف عن المزيد من دهاء (بوتين) في التعامل مع أساطين المال والأعمال عندما قالها صراحة «لا مكان لممثلي الرأسمالية» وبدأ فوراً في عملية التطوير واستبعاد أهم رموز «اليهود» الذين كانوا قد وصلوا إلى سدة السلطة التنفيذية؛ وزراء ونواب ورئيس وزراء بل ورؤساء حكومات، فيما زحف ممثلوهم ومعهم رموز الجريمة المنظمة ليشغلوا مقاعد المجالس التشريعية والنيابية سعياً وراء سن ما يلزمهم ويؤمن وجودهم وثرواتهم من القوانين. أدرك بوتين خطر تدخل المال في السياسة فضرب بكل قوة في جميع الاتجاهات.. في السياسة الخارجية قام بإصلاح شامل في إطار سلسلة تحديات، حيث أكد في مؤتمر الأمن الأوروبي استحالة قبول العالم المعاصر لنموذج عالم القطب الأوحد ورفض التجاوزات التي تمارسها أمريكا في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والإنسانية ومحاولتها فرض إرادتها على العالم بعيداً عن الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة الذي يجب أن يكون الآلية الوحيدة لاتخاذ القرار، لا سيما حول استخدام القوة، وكان له رأي في الربيع العربي بعد قيام بعض الدول في التدخل باستخدام الطيران للإجهاز على النظام القائم وما تلاه من تصرفات تثير الاشمئزاز -على حد قوله- لم تشهدها القرون الوسطى، حيث أكد ضرورة الحيلولة دون أية محاولة لتكرار السيناريو الليبي. وحول موقعه من التسوية في الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي، قال إنه لم يتم بعد اختراع وصفة سحرية يمكنها في نهاية المطاف من تصحيح الوضع في النهاية.
لم أشعر بنفسي إلا وأنا أودع الصفحات الأخيرة التي تجاوزت الأربعمائة وخمسين صفحة، حيث مضى الوقت بسرعة كبيرة.. كبيرة جداً، وهذا هو حال الكتب التي تكتب حروفها بأصابع العقل، كتاب يقدم لنا فيه الدكتور «سامي عمارة» صورة كاملة عن بوتين هذا الرجل الذي عندما أجرت صحيفة (تايم الأمريكية) استطلاعها للرأي عن الشخصية الأكثر نفوذاً في العالم كانت النتيجة احتلاله المركز الأول، بينما جاء (باراك أوباما) في المركز الحادي عشر؛ وذلك كونه الرجل الذي أعاد روسيا إلى الصورة من جديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي رسمياً في 1991م.
أدعوكم لمصافحة الحروف في هذا الكتاب لتعرفوا سبب إعجاب دونلد ترامب ببوتين، وأن ذلك الإعجاب ليس إعجاباً شخصياً وإنما هو إعجاب القزم بالجبل والطير بالسماء والحلزون بالمحيط والوهم بالحقيقة.
حالة من الأرق الغامض تتلبسني كلما أتخيل أن هذا المغرور (ترامب) الذي نفخ الشيطان في دماغه وطمس على بصره قد يصبح يوماً رئيساً للكراهية وبديلاً «لرامز» رائد الولعة الذي يحرق الناس كأنه يشوي كوزين ذرة.. إلهي تولع في جتتهم الاثنين!!
فؤاد مصطفى عزب


Fouad5azab@gmail.com


للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ،636250 موبايلي، 738303 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة