-A +A
هاني الظاهري
يقول المثل الشعبي الدارج «نصف الحرب هيلمة»، إشارة إلى دور الادعاءات المبالغ بها في ضرب معنويات الخصم قبل الاشتباك الحقيقي معه في المعركة وهو ما يؤثر على أدائه بشكل كبير، وقد يتسبب في خسارته رغم أن ميزان القوة في صالحه.
هذا المثل ينطبق تماما على الادعاءات الرائجة هذه الأيام بأن تنظيم داعش الإرهابي المحاصر في الموصل ينوي استخدام أسلحة كيميائية محرمة دولياً لصد هجوم القوات العراقية وحلفائها على المدينة، وكما درج هذا التنظيم المتفوق في الدعاية السوداء على توظيف خصومه بشكل غير مباشر لترويج رسائله، فقد جاءت التصريحات هذه المرة عن طريق الأمريكيين الذين يشاركون في العملية العسكرية، إذ أعلن أمس الأول متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن مسلحي داعش «مصممون» على استخدام الأسلحة الكيماوية وسيجربونها على الأرجح مع تقدم القوات العراقية نحو الموصل وذلك بعد أسبوع من سقوط صاروخ يحمل ما قد يكون عنصرا كيماويا قرب قوات أمريكية.

حسناً.. لعل من الجيد هنا الإشارة إلى أن كثيرا من الناس لا يعرفون أن التقدم الدعائي المهول الذي حققه تنظيم داعش في شهر يونيو من عام 2014 باحتلاله الموصل، كان قد تحقق قبلها بسنوات لدولة أبوعمر البغدادي (القائد السابق للتنظيم) ثلاث مرات، انتهت جميعها بخروجه من المدينة بعمليات أمنية لحكومة بغداد وأفراد تشكيلات الصحوات وسط تعتيم إعلامي مثير صاحب تلك الأحداث التي يذكرها العراقيون جيدا، لكن ما هي حكاية السلاح الكيماوي الذي يمتلكه داعش ويهدد به اليوم؟
الحقيقة الطريفة أن ما يمتلكه التنظيم يشبه إلى حد كبير ما يمتلكه كثير من الناس في منازلهم من مبيدات حشرية إذ لا يعدو كونه تركيبة بدائية مصنعة يدويا من غاز سام ومواد نفطية، ومن المبالغة وصفه بالسلاح الفتاك أو حتى المؤثر في موازين القوة، لكن تضخيم هذا الأمر لا يصب في صالح التنظيم فحسب، وإنما يخدم أيضاً جيوب تجار المعدات القتالية القادمين من واشنطن ومصلحتهم السياسية كذلك، إذ تكشف بعض التقارير عن أن هذه الدعاية المرعبة نتج عنها شراء القوات العراقية عشرات آلاف الأقنعة الواقية من الغاز من الولايات المتحدة.
الاستخبارات الأمريكية تعرف جيدا أن الإرهابيين في العراق وسورية اعتادوا على استخدام هذه الغازات البدائية طوال الثلاث السنوات الماضية وخسروا معاركهم رغم ذلك، وهو ما أكده المتحدث باسم البنتاجون جيف ديفيز، إذ قال ما نصه وبالحرف الواحد: «ندرك تماما أن هذا شيء سبق لتنظيم داعش فعله. لقد فعلوه عدة مرات ونعرف أماكن إطلاقهم ذخائر مؤقتة مملوءة بالغاز السام بما لا يقل عن 24 مرة.»
من جهة أخرى يمكن القول إن من فنون الدعاية الحربية أحيانا تضخيم صورة الخصم مهما كان ضعيفاً لتصوير الانتصار عليه كإنجاز تاريخي وهذا ما تحتاجه حكومة بغداد حاليا ويحتاجه السيد أوباما قبل مغادرة كرسي الرئاسة، لكن الحقيقة كما أسلفت تتجلى في المثل الشعبي الذي عنونت به هذه المقالة.