-A +A
عبدالمحسن هلال
هل قفزنا فجأة من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الاستثماري، هل فُرضت علينا القفزة بسبب الظرف الاقتصادي بانخفاض أسعار النفط والظرف العسكري شمالا وجنوبا، هل كان ثمة فرصة للتدرج في التعامل مع الظرفين، هل انخفاض مستوى السيولة تعدى محافظ البنوك؟

أسئلة كهذه وغيرها كثير أشغلت كثيرين وهم يحاولون استيعاب المتغيرات الاقتصادية السريعة المجملة في رؤية 2030 ومدى مهنية الوزارات المعنية بتنفيذها.


المؤسف هنا عدم شرح هذه المتغيرات السريعة والقرارات الأسرع التي تتخذها بعض الوزارات لجمهور المستفيدين أو المتضررين منها، جميعنا يؤمن بالتضحية بالغالي والنفيس لأجل الوطن لكننا نحتاج معرفة كيف ولماذا ومتى. لم يخرج مسؤولون، سواء من مؤسسة النقد أو وزارات المالية والتخطيط والعمل أو حتى التجارة ليشرحوا هذا القرار أو ذاك، كلما قيل هي إجراءات تقشفية وربما موقتة لتجاوز الأزمة، وهو مجرد عنوان صغير لمتن كبير. من التفاسير المتداولة أن الإجراءات أتت كتوصية من مؤسسة ماكينزي الاستشارية العالمية، وأنها تتقاضى من وزاراتنا مليارات مقابل هذه الاستشارات، هل لو استغلت هذه المليارات محليا ستتخم مستوى السيولة.

كتبت سابقا عن مؤسسة ماكينزي، وما زلت أقول أن توصياتها لن تكون أفضل من صديقنا القديم صندوق النقد الدولي الذي كان يمحصنا النصح كل شهر، ولا عن توأمه البنك الدولي، جميعهم تنقصهم اللمسة المحلية ويريدون اختصار مدة علاج الأزمات بعمليات جراحية، بل وأحيانا يخطئون الطريق بحسب شهادة النيويورك تايمز في ماكينزي أخيرا. بعيدا عن هذا، اقتصادنا كان ومازال ريعيا، ولا يمكن أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى اقتصاد منتج، ولا أحد يشك في أهمية رؤية 2030 للخروج من عنق الزجاجة، لكن الشك يحوم حول سبل تنفيذها ومدى تأثرها بالظروف الاقتصادية السياسية المستجدة، لكن يظل الإنفاق الحكومي يعجل حركة الاقتصاد، يتساوى في ذلك الاقتصاد الريعي والرأسمالي أثناء الأزمات. ولا شك أيضا أن وضعنا الاقتصادي مازال جيدا، حتى لو صرفنا، ونحن لم نفعل، أكثر من نصف احتياطنا البالغ أكثر من 564 مليار دولار.

مجمل ما يمكنني قوله في عجالة كهذه أن الانفاق الحكومي، بالخصوص في الاقتصادات الريعية، يحرك الاقتصاد ككل، ومعروف طفيلية معظم قطاعاتنا الاقتصادية والاجتماعية على الإنفاق الحكومي، القول باستبدال الدعم بإعانات نقدية للطبقة الأكثر تضررا سيفيد هذه الطبقة، لكنه لن يفيد عجلة الاقتصاد، التحدي الحقيقي لوزاراتنا، تدويره ليكون إنفاقا رأسماليا، تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مع اشتراط توطين الوظائف سيخلق حركة في السوق، تشجيع شركات الأموال لتشغيل «السيولة الكامنة» مع اشتراط قوننتها، يعجل حركة دوران رأس المال فيولد دخولا تحرك السوق وتزيد من سرعة دوران الريال، والنقود، كما يقال تخلق نقودا.