-A +A
فؤاد مصطفى عزب
«كاسي موجلنار» و«فرانسكاجني» أمريكيتان من جامعة بنسلفانيا قامتا بإجراء بحث أكاديمي قدم لجامعة «هارفارد»، خلاصة البحث أن الذين يحبون المال أو يفكرون فيه كثيراً أقرب إلى الكذب والتزوير والفساد من غيرهم ويتشارك بعض الساسة وبعض الأغنياء في هذه الصفة السيئة باعتبارهم الأقدر على الكذب لقدرتهم على إطلاق الأكاذيب والعمل على تصديقها والإيمان بأنهم يقولون الحقيقة مما يجعلهم أكثر قدرة على إقناع الآخرين «الشعوب» بما يروجونه من أكاذيب أو حقائق بعيدة عن الواقع بينما هم لا يدركون في حقيقة الأمر أن ما يروجونه هو محض أكاذيب أو أشياء منافية للواقع فيخدعون أنفسهم ليصدقوا ما يريدون تصديقه وكان المسح الذي أجري على 2531 بالغاً أن 5% فقط من الناس يقولون الحقيقة في جميع الأوقات والأغلبية 52% من الرجال قالوا إنهم يكذبون ثلاث مرات في اليوم بينما 14% قالوا إنهم يكذبون أكثر من خمس مرات في اليوم بالمقابل ما يقارب ثلاث أخماس النساء 57% قلن إنهن يكذبن مرة واحدة في اليوم! الـ «SUN» البريطانية نشرت في صحيفتها بأن الرجل يكذب مرتين أكثر من المرأة موضحة ان الرجل يكذب بمعدل ست مرات عن قصد في اليوم الواحد.. من ألطف ما قرأت عن ظاهرة «الكذب» قصة رجل بولوني يعمل في البريد تراءى له أن يفتح الخطابات قبل أن يسلمها لأصحابها ويقرأها ثم يدون رأيه على ما جاء فيها من عبارات تحمل الكذب والنفاق، وكان مصيره أن يقف متهماً أمام القاضي الذي كان ينظر إلى المستندات التي أمامه ثم بدأ يوجه كلامه إليه قائلاً اسمك جادوسلاف ماتوشك عمرك 40 عاماً أعزب اشتغلت في برايتسلاف هذه القرية البولونية الصغيرة ومنذ قدومك إليها وأنت مثار قلق لسكانها ولست أدري السبب فلعلك توضحه للمحكمة، أجاب المتهم يا سيدي القاضي دعني أؤكد لك أولاً أنني رجل صادق ونزيه ومتعصب للحق فعندما نُقلت إلى مكتب البريد في هذه القرية وقع في يدي آلاف الخطابات فأردت أن أعرف مستوى الصدق والنزاهة والذكاء بين أهلها ففتحت كثيراً منها.. وكان من السهل فتحها بالبخار ثم إغلاقها.. واستطعت أن أقول إن المستوى العقلي منحط في هذه القرية للغاية فلم يكن في معظم هذه الخطابات غير السخافات والأكاذيب.. وجدير بهؤلاء الناس أن يخجلوا من أنفسهم.. قال ذلك وهو يتطلع إلى الجمهور المزدحم في قاعة الجلسة.. فصاح كثير منهم غاضباً، ولكن المتهم لم يعبأ ومضى في حديثه قائلاً وكانت طريقتي الوحيدة في تنفيذ خطتي هي تقليد خطوط الآخرين مما تطلب مني مران ثلاثة شهور بدأت بعدها أول محاولاتي.. في هذه القرية شاب كتب خطاباً سخيفاً إلى فتاة وكنت أعرف أنها ذات أخلاق سامية فألقيت بخطاب الشاب في سلة المهملات وأرسلت بدلاً منه خطاباً لطيفاً قلت فيه «تعالي إلي فإنني أريد أن أتزوجك فوراً»، ولكن الفتاة تزوجت شابا آخر صديقا لصاحب الخطاب.. وهذا ليس ذنبي! وهنا قال القاضي والخطابات الأخرى التي كتبتها؟ قال الموظف نعم كتبت خطابات كثيرة هناك رسالة بعث بها رجل أعمال كبير يسمى «نوفاك» إلى المستر «كورت» جاء فيها إنني أفتقدك كثيراً فمتى أراك! وهكذا حتى ملأ صفحتين وأنا أعرف أن «نوفاك» يكره «كورت»، وبما أن مكتب البريد يجب أن لا يشجع على الكذب والنفاق فقد أضفت إلى الرسالة ملاحظة قلت فيها «إن كل رسالتي تهكمية فإن أردت معرفة رأيي فيك فأنا أصارحك بأنك أفاق ومنحط»، فلما التقى الرجلان بعد ذلك كان من نصيب «نوفاك» لطمة قوية على وجه «كورت»، وضحك المتهم في سخرية فنهره القاضي وقال لا تنس أنك قمت أيضاً بسرقة أشياء أرسلت بالبريد.. فقال أعرف سيدي ذلك ولكن هذا لا يعتبر سرقة ففي أحد الأيام تسلمنا رسالة من باريس معنونة باسم «الكونت دي مونت كريستو رقم 2 وتحفظ بشباك البريد»، وأثار العنوان ريبتي ففتحت الرسالة ووجدت في داخلها ثلاث صور خليعة فألقيت بها في النار من تظن يا سيدي جاء لتسلم الرسالة أنه مستر «كارل» عمدة القرية وهو إنسان محترم ووالد لستة أطفال قال القاضي أنا أمنعك من إذاعة أسرار البريد وإلا سوف أخلي القاعة وهمس وكيل النيابة في أذن القاضي ببضع كلمات فصاح المتهم فجأة قائلاً للقاضي سيدي لا تعر كلام هذا النائب اهتماماً فهو لا يستحق صداقتك فنهره القاضي قائلاً أصمت ولا تتدخل في ما لا يعنيك فقال المتهم حقاً إن الأمر قد لا يعنيني ولكنك لا ينبغي أن تبادل ممثل الاتهام صداقة لا يستحقها، أتدري ماذا قال عنك مؤخراً في إحدى رسائله؟ وأخرج من جيبه ورقة وقرأ منها «لم أر في حياتي مهووساً مثل رئيس محكمتنا!»، ووقف رئيس المحكمة واندفع إلى الخارج وتبعه وكيل النيابة وهو يصيح أنا مستعد لتفسير كل شيء ولكن الرئيس رفض الإصغاء إليه والتفت المتهم إلى ضابط البوليس الذي يجلس خلفه وقال لست أفهم لماذا يكذب الناس.. فلو قالوا الصدق دائماً لأصبح العالم مكاناً جميلاً للحياة! يا ترى ما هو الحال لو أجريت نفس الدراسة عن الكذب في عالمنا العربي لكم أن تتخيلوا!.