-A +A
مها الشهري
تزايدت المشكلات الاجتماعية التي نعيد أسبابها إلى العامل الثقافي والتنظيمي على حد سواء، فيما أنها ستزداد تعقيدا كلما تراخت المؤسسات المعنية في سن القوانين وتنظيم المجتمع بوضع أدوات جديدة غير تقليدية لأساليب الضبط الاجتماعي، وهذا يظهر جليا في نظام الترابط والعلاقات فيما بين الإنسان ونفسه وما بينه وبين محيطه وطريقة تفاعله مع هذا المحيط، وقد انفتحت مجالات النزاع حتى أصبحت تشكل صراعا اجتماعيا مقنعا بالعنف، لا يستطيع الإنسان فيه تحمل عدوانيته الكامنة جراء أساليب القمع المفروضة عليه من واقعه المعاش.

حينما ننظر إلى أساليب العنف المنتشرة فسنكتشف مدى فقرها من الاتزان النفسي، وهي نتيجة تراكمية من الأحقاد التي يجدها الإنسان من خارج ذاته كوطأة القيود والتسلط والسيطرة، فيصبح المجال الخارجي للإنسان هو الباب والمنفذ لهذه العلة، ويصبح العنف هو الأسلوب التصحيحي للسلوك ولغة التخاطب المتاحة والممكنة مع الواقع ومع الآخرين، كنتيجة عن العجز في الحوار أو مدى اعتراف المحيط بالقيمة الذاتية المسلوبة للفرد من جهة، أو إيهامه بالعكس من جهة أخرى حتى تتضخم لديه الذات ويكون مضطرا لتكرار المواقف التي يبرز فيها مدى عنفه وقوته حرصا منه على عدم فقدان المكانة التي فهمها الآخرون في شخصيته وأثارت إعجابهم، وليس غريبا أن تصادف شخصا يتفاخر بفشله وسوء طباعه.


هذا وأكثر يبرره مدى نفوذ العادات الاجتماعية إلى مجال الفرد وحريته النفسية والشخصية، حتى أصبح انتهاك الحقوق الإنسانية مبررا وفق هذه النظرية، فتجد الأطفال المعنفين والفتيات المحرومات من التعليم والعمل والزواج، بالمقابل ستجد قاضيا يخلع زوجة من زوجها لمجرد أن والدها المتعسف شكك في نسبه، وأخرى تعاني من مراجعة المحاكم لسنوات تطالب بالطلاق، والقائمة تطول ولا تنتهي.

إن الاتجاه الذي يذهب إليه أكثر الناس في تعاملاتهم من أساليب التملك والوصاية وحب التحكم بحياة الآخرين، ينعكس من خلال نفوذ كل شخص في دائرته المتاحة للتحرك فيها تجاه من تربطهم به علاقة، وإلا فسيكون ضحية لمن هو أقوى منه، وهنا سيتغلب العنف على كل القيم والحقوق الإنسانية، وستكون العدوانية أكثر سيطرة على تعاملات الناس وهي الأخطر على الإنسان ذاته وعلى المجتمع، وما لم تحل هذه المسائل بالنظام وتوضع القواعد التي تسمح بالتكامل النفسي والاجتماعي فلن نجني من المجتمع شيئا أكثر من تخلفه وتعقد مشكلاته.

المشكلة الكبرى هو دعم بعض المؤسسات التنظيمية لهذا التخلف بالرغم من أن سن الأنظمة سيحل أكثر المشكلات، إذ إن إبقاء المجتمع على وضعه الحالي من شأنه أن يعيق حداثته ونهضته وتطوره، فالتغييرات الثقافية هي الأساس لكل التغييرات الشمولية التي تسعى من أجلها الدولة، ومن الصعب أن نستجدي وضعا تنمويا متطورا في ظل مرض اجتماعي شامل تتراخى أكثر الجهات الرسمية في علاجه.