-A +A
عبدالمحسن هلال
قصتنا مع الشركات الاستشارية قديمة، للدكتور محسون جلال، رحمه الله، واقعة مشهورة معهم قبل أكثر من 40 عاما، طلب رأيه في دراسة جدوى اقتصادية ضخمة لإنشاء مصنع للزجاج، أعدتها شركة استشارية كبرى بالمبلغ الفلاني، اعتمدت على تجميع القمامة لفرز الأوراق منها واستخدام الصحف القديمة كمواد أولية للمصنع، رفض الدراسة لأن خدمة التجميع لم تكن متوافرة حينها، كانت تترك للحيوانات السائبة، ولو جمعنا رجيع كل الصحف المحلية لن تكفي لمحدودية أعدادها وصفحاتها، ردت الشركة بعناد أنه يمكن استيراد أوراق الجرائد القديمة من الخارج باستغلال ناقلات النفط التي تعود فارغة، قال اسألوا أصحاب الناقلات إن كان باستطاعتهم الانتظار لحين شحن الجرائد لتوصيلها بمقابل، أجابوا بالنفي وسقط المشروع.

كيف لشركة أجنبية أن تعرف ظروف تجميع القمامة في بلد ما، كيف لها أن تفهم بيئة المشروع، أي مشروع، وموظفوها يزورون البلد لماما، القضية ليست تجميع أرقام وإحصاءات، وليست إعادة إخراجها بجداول جديدة وتجميلها بأشكال هندسية وتلميعها برسوم بيانية، المعروف عن علم الإحصاء إمكانية استخدامه للخدع البصرية والإيحاءات الرقمية، دون النزول لأرض الواقع والعيش فيه، أقله التعايش معه لن تفهم حقائق أي مشروع. مع استشراء طلبات المشورة من قبل بعض جهاتنا الحكومية، لم تعد القضية الغرم بالأجنبي، عقدة الخواجة كما يقولون، وعدم الثقة بمراكز الخبرة الوطنية، تعدتها إلى تبني دراسات غير مجدية تبنى عليها سياسات وإستراتيجيات تجد نفسها في النهاية دون أساسيات يمكن البناء عليها، فيصرف على المشروع الواحد مرتين وأكثر، ويمول برنامج يعدل فيه أكثر من مرة فتتضاعف تكلفته وقد يتعثر، حتى غدت بابا من أبواب الفساد.


تذكرون طريقة تسليم المفتاح لتنفيذ المشاريع، بعض الجهات الحكومية طورتها لإنجاز مشاريعها، تسلمها لشركة استشارية تدرسها، ثم تسلمها لشركة مقاولات تنفذها، وقد تستأجر شركة ثالثة لإدارتها، وتكتفي هي بالتحصيل وفرض الرسوم. كل سنوات الخبرة السابقة والتجارب المريرة مع طرق تسليم المفتاح لم تنجب لنا مديري مشاريع أو برامج مؤهلين للمشاركة في كل خطوات التخطيط والتنظيم وطرق التنفيذ، كل تلك السنوات ومازلنا نستخدم ذات نماذج الاستلام والتسليم ومحاضرها العتيقة، دون فحص أو تبين لجودة المنتج ومدى ملاءمته لظروف وواقع البلد تتيحهما، افتراضا، سنوات الخبرة والمعاناة السابقة. أكرر مقولتي الدائمة، دون تغيير تروس العربة التي ستنقلنا من المشاريع إلى البرامج إلى المبادرات لتحقيق أهدافنا، سنظل ننفذ بالمنوال ذاته، ثم نحمل تبعات الفشل لشركات الاستشارات أو لشركات المقاولات، ينفذ المسؤول من المحاسبة ويدفع المواطن والوطن تبعات التعثر والفشل.