-A +A
عبدالمحسن هلال
انتقدت القطاع الخاص كثيرا، قلت فيه ما لم يقله مالك في الخمر، وهو مازال يستحق الانتقاد حتى يغير نمط طفيليته على القطاع العام، نصف قرن وهو يقتات على المشاريع الحكومية، كان يمكنه خلالها أن يبتدع مشاريعه لينطلق، لو أنه استثمر في مجال الإسكان وحده لأفاد واستفاد كثيرا، لكنه ظل يتعلل بعدم وضوح الرؤية حتى عميت عليه. نصف قرن ولم تنشأ لدينا شركة إنشاءات معتبرة لها مشاريعها المبادرة، لا المشاركة، في عملية التنمية، نصف قرن ولم يظهر بيننا ذلك المنظم Entrepreneur، فكرة شومبيتر التي أنقذت اقتصادات منهارة، ليربط ويوالف بين عناصر إنتاج متناثرة.

على الضفة الأخرى استغرب تحميل قطاعنا الخاص فوق طاقته، استغرب طلب ماكينزي، وبقية شلة المستشارين المليونيين، شراكته في تحقيق الرؤية، من يتفحص الأرقام وكمية الأموال المطلوب من القطاع الخاص المساهمة بها، وحجم ما يملكه هذا القطاع من موجودات ومشاريع يجد تباينا كبيرا، بكل اختصار ممكن المطلوب منه فوق طاقته، ومما زاد الطين بلة، عمليات التضييق عليه بدءا بتخفيض الإنفاق وانتهاء بتأخير المستحقات وما بينهما، بالخصوص قطاع المقاولات. كيف يتوقع ماكينزي وبقية المستشارين الكرام دوران عجلة الاقتصاد، هذا إذا كانوا يعترفون بفكرة المعجل Accelerater في الاقتصاد ومعدل دوران النقود، بظني أنهم لا يعترفون بكينز ولا بالنيوكينزين ولا بمدرسة شيكاغو، ولا حتى بحقائق علم الاقتصاد الأساسية، إنما يمثلون الفكر الاقتصادوي المعتمد على «الفهلوة»، غير أن هذه قصة أخرى.


تظل بين إنفاقنا الحكومي وقطاعنا الخاص علاقة تستعصي على فهم كثير من الاقتصاديين، فما بالكم بالاقتصادويين، ليس طفيليته وحسب، أي إنفاق حكومي بدول العالم الأخرى يفيد القطاع الخاص بتوسيع مشروعاته وتوظيف المزيد من مواطني بلده فيتحرك الاقتصاد. للقضاء على الكساد العظيم ثلاثينات القرن الماضي، ابتدعت أمريكا فكرة تشييد الطرق السريعة بين الولايات برغم عدم الحاجة لها بوجود شبكة قطارات جيدة، فاشتغلت المصانع والشركات ووظفت الكثير من العاطلين عن العمل فتولدت دخول اشترت السلع المتكدسة فتحرك الاقتصاد وازدهر. هنا معظم المشاريع الحكومية تنفذها شركات وطنية نعم، لكنها تستخدم عمالة أجنبية في المجمل فيذهب العائد لما خلف الحدود، ولا يستفيد الاقتصاد الوطني ولا جمهور العاطلين، وإنما جيوب حفنة من رجال أعمال قطاعنا الخاص، مكينزي ورفاقه يريدون توسيع الخرق بإحضار شركات استثمار أجنبية لسد فجوة تقصير القطاع الخاص، وستحضر عمالتها معها، ومن ثم تكتمل دائرة توزيع الإنفاق الحكومي على دول العمالة الأجنبية، ويقبع المواطن المؤهل في بيته، وتعود مقولة البقرة الحلوب.