لا أملك دراسات أو بحوثا دقيقة حول أعمار القضاة في دول العالم، ولا أستطيع أن أختلق دراسات أو أبحاثا كما يفعل البعض هذه الأيام، لأن أسهل طريقة لتمرير فكرة في هذا الزمن الجميل أن تبدأ بالعبارة الساحرة (أثبتت الدراسات)، ويمكن أن تتبعها بأي شيء، لأنه لا يمكن لأحد أن يعترض على تلك الدراسات التي عادة لا تكون منشورة أو معروفة المصدر، لكنها تبقى دراسات وبحوثا تبرر أي توجه وتؤيد أي فكرة، لذا فإنني لن أعبر هذا الطريق الوعر حتى لا أكون في مرمى سهام القراء وأكون أمثولة كما كان البعض أمثولة من وراء تلك الدراسات الوهمية، وسأعتمد على ما نشاهده في زيارتنا لبعض الدول، حيث لا يمكن أن ترى قاضيا شابا يجلس على المنصة القضائية، وكل من يعتلي تلك المنصة فإنه يكون قد أمضى وقتا طويلا في النيابة العامة أو بقية المؤسسات العدلية حتى ينضج معرفيا وتتراكم لديه الخبرة القضائية التي تمكنه من إدارة الخصومة باحتراف، إلا أن الوضع في المملكة مازال بعيدا عن تطبيق هذا المبدأ، حيث مازلنا نرى الطالب يتخرج من كلية الشريعة غضا طريا ثم ما يلبث بعد ثلاث أو أربع سنوات أن يعتلي المنصة، ويمكن في الفصل في الدماء والأعراض والأموال دون أن يمتلك الخبرة الكافية لتبوؤ هذا المنصب الخطير، وهذه الظاهرة بدأنا نلمس أنها تزداد في الآونة الأخيرة، والمصيبة أنه يمكن ملاحظتها في المدن الكبيرة، حيث القضايا المعقدة التي تحتاج بسطة من العلم والخبرة والمراس، ومع ذلك نرى قضاة شبابا يتصدون لها فتؤثر قلة الخبرة على مدة التقاضي وجودته، لذا أعتقد أنه من المهم أن يبدأ القاضي مسيرته القضائية من هيئة التحقيق والادعاء العام متقلبا بين دوائرها حتى يبلغ أشده ويبلغ أربعين سنة، فلا يمكن تصور قاض يجلس على المنصة دون ذلك السن حفاظا على جودة الخدمة القضائية وحماية لحقوق الناس، لأنه في هذه السن قد وصل إلى النضج المعرفي والخبرة العملية التي تمكنه بعد توفيق الله من أداء مهام عمله وفق معايير العدالة وقيم الوظيفة القضائية الراسخة.