-A +A
هاني الظاهري
جيدة هي الأخبار المتداولة عن صدور حكم بسجن إمام مسجد في عسير متهم بتكفير الفنان السعودي الكبير «ناصر القصبي» عبر إحدى خطبه التي علق فيها على مسلسل «سيلفي» قبل أشهر قليلة.. جيدة لأنها تؤكد أن العدالة في هذا الوطن فوق كل شيء، وأن الوظائف الدينية لا تمنح أصحابها حصانة للتطاول على الآخرين دون خوف من عقاب.

فجر القصبي ورفاقه في مسلسل سيلفي «عش دبابير التطرف» عندما قدموا حلقات تضرب أدبيات التشدد وبيئته ورموزه في العمق، فشن المتطرفون وأتباعهم من الغوغاء الحملات ضد المسلسل والقناة التي تبثه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتجاوز الأمر ذلك إلى تسخير بعضهم منابر المساجد للنيل من أفراد طاقمه تارة بالتصريح وتارة بالتلميح، ولولا أن إمام المسجد الذي تمت محاكمته تورط في القضية بعد توثيق حديثه بمقطع فيديو لربما كان أفلت من العقاب كغيره، لكن مشيئة الله أرادت أن تجعله عبرة لمن يعتبر من أشباهه رغم عدم صرامة العقوبة التي نالها برأيي وهي «السجن شهر ونصف».


ربما يكون وصف شخص بأنه «كافر» في أوروبا والولايات المتحدة أمرا عاديا لا يشكل خطرا أو ضررا عليه، وقد يعتبره البعض رأيا لا يُقدم ولا يؤخر، أما في العالم الإسلامي فالتكفير مختلف تماما لأنه بمثابة التحريض على القتل والنهب تنفيذا لحد الردة كما يفهمه مجانين التطرف، ولذلك أشرت إلى أن عقوبة إمام المسجد ليست صارمة، فالقضية التي كان يفترض أن يحاكم بها هي «التحريض على القتل»، ويُفترض أن هذا هو التكييف القانوني الصحيح لجريمة التكفير أيا كان مرتكبها وأيا كان الضحية، وتتضاعف العقوبة حين يكون مرتكب الجريمة في منصب ديني ويستغل منابر المساجد لتنفيذها.

جميع التنظيمات الإرهابية التي تدعي الإسلام في العالم وعلى رأسها داعش والإخوان قامت على مبدأ واحد هو «التكفير».. هكذا بكل بساطة واختصار يتوهم بعض المجانين أنهم أصحاب الصلاحية في تحديد من أهل النار ومن أهل الجنة ثم يقررون إرسال كل منهم إلى الآخرة لينال مصيره وفق ما يرون، وهذا ما يجعل التكفيري قنبلة موقوتة حقيقية ويجب التعامل معه على هذا الأساس لا على أساس أنه ضال أو مغرر به أو «طفل جاهل» يمكن أن يُكتفى بضربه على يده بلطف حتى لا يعود لفعلته.

في عام 1992 اغتيل المفكر العربي الكبير الدكتور فرج فودة في مصر برصاصات غادرة أطلقها عليه بائع سمك جاهل معتقدا أن المفكر الذي كان يحارب المتطرفين بمؤلفاته ومحاضراته «كافر» ومقرراً تنفيذ حد الردة بحقه بناء على رأي شخصيات متطرفة منسوبة للتيار «الإخواني»، وعندما تم التحقيق معه تبين أنه لم يقرأ أي شيء من مؤلفات فودة، ولا يعرف عنه سوى ما قاله شيوخ الإرهاب، وهكذا سمي الفقيد شهيد الكلمة، ليصبح نموذجا لضحايا جريمة «التكفير»، التي هي في حقيقتها كما أسلفت «جريمة تحريض على القتل» مكتملة الأركان.