-A +A
عبدالمحسن هلال
واهم من سيظن أن المظاهرات والاحتجاجات التي اجتاحت أمريكا ضد فوز ترامب تعتبر حركة غير ديموقراطية، هي حركة شعبية لمجموعة أصبحت الآن أقلية تريد تثبيت مبدأ أساس في الديموقراطية هو ضمان حقوق الأقلية، بمعنى وضع حدود لجموح الرئيس المنتخب. ما حدث حقيقة هو انقلاب على النخبة الحاكمة، مل الناس طبقة السياسيين من الحزبين، ملوا تردد أوباما لثماني سنوات، وأن هيلاري ستكون امتدادا لذات المدرسة، هو أمر يشبه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويشبهه البعض بحركة الربيع العربي، شعوب ملت من كذب السياسيين التقليديين، ويريدون تجريب طريقة أخرى، ولا ننسى أن العالم كله بدأ يتجه يمينا أكثر. وبرغم كل شيء يومان في تاريخ أمريكا لن ينساهما الأمريكان، ما حدث يومي 11/9 و9/11.

تكرر سيناريو انتخاب بوش الابن مع ترامب، لم يصدق أحد إمكانية فوز بوش المتهور أو ترامب المندفع، لكن الأول تمكن من استمالة «الدينيين» في أمريكا ونجح، واستغل الثاني «القرويين» وفاز، دفع الأمريكيون ثمن تهور الأول وسيدفعون ثمن اندفاع الثاني، كما دفعوا قديما ثمن اندفاعات رئيسهم الأسبق ريجان في حرب النجوم. أفكار جديدة يطرحها القادم مستغلا عواطف المواطنين المحبطين، ينجحون بداية، ثم يعود وينهار كل شيء، اقتصاديا في المقام الأول، وتعود الشعوب لما كانت عليه لتتكرر عليهم الدائرة، يسمونها ديموقراطية، وهي حقيقة لعبة ديموقراطية ينجح فيها من يعرف كيف يستخدم أوراقها. نجح ترامب برغم عداء الإعلام الأمريكي وطبقة المثقفين والنخب الحاكمة في أمريكا، بعثر أوراقهم بمخاطبة رجل الشوارع الخلفية، في الريف الأمريكي، وترك هيلاري تتسلى مع طرفي المشرق والمغرب الأمريكي.


بالطبع سيطر ترامب لبلع كثير من تصريحاته الانتخابية المستفزة، داخليا سيتولى ذلك الشعب الأمريكي سواء بالمظاهرات أو غيرها من وسائل قانونية تتيحها لهم ديموقراطيتهم المتينة داخليا، أما خارجيا فتلك قصة أخرى، وهي ما تعنينا بكل حال، أي تصريحاته ضد الأجانب وبالخصوص المسلمين، وهل ستتحول إلى سياسات منفذة. صحيح أن صلاحيات الرئيس الأمريكي محدودة برغم أنه نظام رئاسي، وصحيح أن هناك الكونجرس بمجلسيه الراسم الحقيقي للسياسة الأمريكية، لكن الكونجرس القادم ذو أغلبية جمهورية والرئيس جمهوري، وبالتالي فإن الانسجام سيتيح الفرصة لتثبيت بعض أفكار ترامب في السياسة الخارجية، وهي أفكار كلها عدائية. وما ينتظر العرب والمسلمين هو مزيد من العداء الأمريكي غير المغلف، كالسابق، بورق سوليفان.

لا أقول سيكون صراعا مكشوفا بين أمريكا والخارج، لكنه سيكون صراع مصالح، سينجح فيه من يستطيع تثمين مصالحه، مقولة ترامب أن أمريكا تُستغل بدون مقابل، تحتاج من يوضح له من يستغل من، وأن حاجة أمريكا للوجود في المنطقة لابد أن يكون لها ثمن، تأمين وحماية مصالحها لابد أن يكون له ثمن، التعاون الأمني معها له ثمن، فهل سيحسن العرب تثمين خدماتهم المعروضة مجانا.