-A +A
هاني الظاهري
هناك مقولة شهيرة في عالم المال والأعمال يرددها كثير من القادة الناجحين في بناء المنظومات التجارية الدولية هي: (الاقتصاد علم كل شيء)، إشارة إلى ارتباط الاقتصاد بالسياسة والجغرافيا وعلم الاجتماع والتاريخ، ما يعني أن المفكر الاقتصادي يجب أن يكون صاحب كعب عال في كل هذه العلوم ليتمكن من قراءة المؤشرات الاقتصادية ووضع الحلول والإستراتيجيات المناسبة لجني الأرباح وتجنب الخسائر.

أمس الأول جدد مجلس الوزراء السعودي دعوة دول الخليج العربي إلى التكتل الاقتصادي وهي الدعوة التي أطلقها سمو ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان قبل أيام في الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية لدول مجلس التعاون، إذ أكد بيان مجلس الوزراء أن الدول الخليجية بحاجة إلى أن تتكتل في عصر التكتلات، وأمامها فرصة لتكون أكبر سادس اقتصاد في العالم إذا عملت بالشكل الصحيح في الأعوام القادمة، وأن عليها الاستفادة من الفرص في عصر التقلبات الاقتصادية.


لاشك أن التكتل الاقتصادي الخليجي يمثل في حد ذاته إعلانا مبدئيا عن قيام الاتحاد الذي لطالما حلمت به شعوب هذه الدول منذ تأسيس مجلس التعاون، فالشراكة بين هذه الدول سياسية تاريخية جغرافية اجتماعية ولعل حلقة الوصل المفقودة بين كل ذلك (الاقتصاد) الذي سيحولها في حال الاتحاد اقتصاديا إلى قوة عالمية جديدة له ثقلها وتأثيرها على الاقتصاد العالمي وفي الوقت ذاته سيمنحها قوة سياسية أكبر هي في أمس الحاجة إليها اليوم في ظل الظروف السياسية العاصفة التي تمر بها المنطقة، وسيسهل عليها الاتحاد بكل تأكيد مواجهة التحديات الاقتصادية الكبرى التي تتمثل في تحجيم دور التكتلات العدائية التي تعمل على ضرب اقتصاد دول الخليج بحروب النفط الناعمة، وهذا يعني أن لا مجال للتأخر عن التكتل الاقتصادي، فكل يوم يمر بدونه يسجل خسارة اقتصادية فعلية لدول الخليج ليس على المستوى الاقتصادي فحسب بل والسياسي أيضا، فهما توأمان سياميان لا يمكن فصلهما في هذا العصر الذي لا يعرف سوى لغة القوة والأرقام والمصالح المشتركة.

التكتل الاقتصادي الخليجي المأمول يملك أصولا استثمارية مهولة إن تم تفعيله بالشكل المطلوب، وأول أصل استثماري حقيقي هو الموقع الجغرافي لدول الخليج التي تمثل حلقة ربط اقتصادية وجغرافية أساسية في قلب العالم، هذا إلى جانب الثروات الطبيعية التي تملكها دول الخليج وتضعها في مقدمة مصدري الطاقة التي يقوم عليها اقتصاد الدول الكبرى.

في دول الخليج عدد من أهم الموانئ التجارية في العالم.. موانئ تشكل محطات رئيسية للتجارة العالمية بكل ما تحمله كلمة (رئيسية) من معنى، ما يجعل وحدة القرار الاقتصادي بين هذه الدول نقطة تحول لتلك الموانئ لتصبح ورقة تحكم سياسي مرعبة لخصوم الخليجيين سياسيا واقتصاديا.

إجمالا يمكن القول إنه لا بديل اليوم عن التكتل الاقتصادي الخليجي، وليس في الأمر خيار، فإما التحول إلى قوة اتحادية قادرة على العبور إلى المستقبل، أو التوقف عن مجاراة الزمن والخروج من بوابة التاريخ الخلفية، وهذا ما لا يتمناه العقلاء.. وكما أسلفت لابد من الإيمان بمبدأ (الاقتصاد علم كل شيء) حتى نعبر عنق الزجاجة بأفضل حال.