-A +A
مها الشهري
ذهبت الكثير من الآراء التنويرية إلى الأسلوب النقدي لتصحيح الفكر السائد وتغيير بعض التصورات والمفاهيم حول الدين انطلاقا من توجيه السلوكيات التي يتعامل بها الناس بحسب ما يقتضيه تدينهم، وأعني ما يجرى على سبل حياتهم بمجرى العادة المصبوغة بالتدين من الأنماط التي تضع الأعراف مصدرا أساسيا للتشريع، ومن ذلك ستلاحظ أنه حين يختلف معك أحدهم على شأن مرفوض اجتماعيا، فإنه لا يحاول إثباته إذا كان الرأي الديني يبيحه، وبالمقابل فإنه يجد مجالا يستطيع منه تحويل أي خلاف مادي أو سياسي أو اجتماعي لخلاف ديني وعقدي في الكثير من التعاملات.

لم يصنع التدين مجتمعاً إسلامياً قائما على التعدد الفكري والقيم التي جاءت في جوهر الدين وتعاليمه، في الحين الذي طغى فيه العرف والتقليد على الحياة والتعاملات، وكان ناتجا عن العنصرية والتفرقة ونظم الطبقية الحادة، وتحييد العقل الجمعي وإخضاعه لعامل الرهبة الدينية الموجهة والسيطرة الخرافية على المصير، حتى أصبح من الصعب فصل مفهوم الدين وتجريده عن التعصب، وسنجد أن تعامل الفرد بتسلط عند تمكينه في أي موقف يأتي كردة فعل للمظلومية التي وقعت عليه في السابق بينما هو يقوم بإعادة إنتاجها وهو على استعداد بتجريد من يخالفه من إنسانيته ودينه عند أول نقطة اختلاف.


إن الإيهام بقيام الإسلام في الأصل على العصبية، كان في حقيقته غرضاً سياسياً، ولذلك شُحِن الخطاب الديني بالإلزاميات والشروط والقوانين الآمرة التي لم تكن لأجل التسامي الروحاني وإنما لتقييد المجتمعات، وقد كان المستقبل في الرؤية الدينية بإثبات النص الشرعي «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، منفتحاً على كل الاحتمالات والإمكانات التي يعايشها البشر، لكن انتصار الخطاب المناقض، يعود إلى عوامل اجتماعية وثقافية وأهداف سياسية بما تحويه من الأحوال والظروف التي تتشكل فيها، غير أن الحركات التي تدعي الأصولية تعد فقيرة جداً من الناحية الثقافية والعلمية والفكرية، وقد حجبت كل الأساليب الممكنة للمعرفة والتعايش مع الحياة بمبادئها، وأغلقت عقول الناس - من جانب التأثير بالدين - عن رغبة التطلع إلى الانفتاح على الحداثة والعالم الجديد، فضلاً عن أنها أعطت صوراً تعبيرية وسيئة عن تعصب الإسلام كدين ومنهج لدى الثقافات الأخرى، وهذا بخلاف إقرار الدين الحقيقي للقيم الإنسانية المدفونة في عمقه التاريخي، فقد جاء بها للناس بمثابة النجاة والتحرير من قيود الجهل والتزمت، بالطريقة التي ساوت بين العبيد والأسياد، بينما هي اليوم أداة طيعة لقولبة حياة الناس، والسير بهم نحو الانغلاق والتخلف!