-A +A
عزيزة المانع
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده، وليس عليه أن تتم المطالب..

قالت بنغمة متهكمة ساخرة، كم أعجب منكم أيها الكتاب!! لم تصرون على ترديد أقوالكم وتستمرون في كتاباتكم وأنتم تعلمون أنها لا تأتي بنتيجة، ونادرا ما يؤخذ بما تقولون؟!


ما قالته هذه القارئة المحبطة ليس جديدا يقال للمرة الأولى، كما أنه ليس بالمجهول لدى الكتاب، لكنه يمثل الاختلاف في النظر إلى الأمور، والفرق في ردود الأفعال بين الناس تجاه حدث واحد!!

كلام هذه القارئة يتضمن مفهومين: أحدهما، أن كل ما يكتبه الكتاب ويقولونه صحيح ونافع وعندما لا يتحول إلى واقع عملي، يضحي لا قيمة له ومن ثم يكون وجوده وغيابه سواء!! وهذا المفهوم بطبيعة الحال غير صحيح، فالكاتب بشر يصيب ويخطئ، وقدرته على المعرفة محدودة، فقد يعلم جانبا من الحقيقة ويخفى عليه الكثير، لذا ليس بالضرورة أن كل ما يقترحه ويقوله الكاتب حق وصواب، وبالتالي عندما لا يؤخذ بقوله عليه أن يتقبل ذلك بعيدا عن مشاعر الخيبة أو الإحباط.

والمفهوم الآخر، هو أن الكتابة لا بد أن تحظى بضمان الاستفادة منها، أما إن لم تجد مثل ذلك الضمان فإنها تضحي جهدا ضائعا، ومن المصلحة توجيه ذلك الجهد إلى عمل آخر يستفاد منه!!

وهذا المفهوم تتمثل فيه البراجماتية بأوسع أشكالها، فهو مفهوم قائم على النفع المادي المباشر، بعيدا عن القيم الأخلاقية، فالقول بأن الكاتب متى لم يجد من يأخذ بقوله ويضعه موضع التنفيذ، عليه ألا يضيع جهده في الكتابة وأن يوفره لعمل آخر يمكن الانتفاع به، هو قول لم ينظر إلى أن الأصل في الأعمال نشر الخير وترسيخه، أما إن لم يتحقق ذلك، فإن التوقف والانصراف عن بذل الجهد ليس هو البديل المطلوب، فطالما أن الغاية نشر الخير فإن التوقف لا يحقق ذلك، بل إنه قد يسهم في القضاء عليه.

صحيح أن رؤية نتائج إيجابية سارة للعمل الذي نقوم به، تعد من أقوى المحفزات لنا للاستمرار والمواصلة، وأن وجود نتائج سلبية غير مرضية، تؤدي بنا إلى فتور الهمة والميل إلى التوقف عما نقوم به. هذا صحيح، لكن صاحب المبدأ يجب عليه أن لا ينظر إلى ذلك وأن يكون همه النظر إلى الغاية التي يسعى إليها فيبذل جهده لنيلها، فإن تحقق له ما أراد حمد ربه، وإن لم يتحقق فإنه قد أرضى ضميره وأدى ما يجب عليه.