-A +A
عزيزة المانع
من التوجهات الإيجابية التي نراها آخذة في التنامي في ثقافة المجتمع، الحث على اعتناق قيم التسامح وتقبل الآخر، وتوظيف الحوار في مواجهة الاختلاف لحل المشكلات سلميا، وذلك في مقابل قيم التعصب والكراهية والارتكاز على العنف.

لكن هذا التوجه الإيجابي الجديد لا يتوقع أن تظهر ثمرته سريعا في سلوك الناس، فمن المسلم به أن من الصعب تغيير سلوك الكبار الذين عاشوا القدر الأكبر من أعمارهم يعتنقون قيما بعينها، ويمارسون عادات ألفوها معظم سنوات عمرهم.


يبقى الأمل منحصرا في الأجيال الجديدة الناشئة، التي لم تتصلب أفكارها بعد وما زالت غضة قابلة للتشكل بحسب النمط المرغوب.

ولأن السلوك الإنساني في معظمه ليس وراثيا، وإنما مكتسب بالتقليد والمحاكاة، فإن المتوقع أن تحمل المدرسة المسؤولية الكبرى فتعمل على ترسيخ تلك القيم الجديدة ومكافحة غيرها مما لا يخدم المصلحة العامة.

إلا أن التعليم بكل أسف ما زال غير مهيأ للقيام بهذه المهمة العظيمة، بل أسوأ من ذلك قد نجد التعليم نفسه، ممثلا في تعامل بعض المعلمين والمعلمات مع طلابهم، ينقض ما يسعى المجتمع إلى ترسيخه من قيم السلوك الإيجابية.

كمثال على ما أقول، إصرار بعض المعلمين على ضرب تلاميذهم، فرغم أن أنظمة وزارة التعليم تحظر استخدام العنف في تأديب الطلاب، (بدنيا أو لفظيا) إلا أن بعض المعلمين ما زالوا يمارسون العنف كلما وجدوا أنفسهم عاجزين عن ضبط الطلاب وجذبهم إلى الدرس، ومثل هؤلاء المعلمين ليسوا أنهم يخالفون أهداف المجتمع في تنشئة جيل سليم من النزعة العدوانية فحسب وإنما هم أيضا يهدمون بأيديهم ما يلقنونه لطلابهم من قيم التسامح والنهي عن استخدام العنف وإيذاء بعضهم بعضا، فالطلاب حين يرون ما يفعله بهم معلموهم من أشكال العنف اللفظي والبدني، يرسخ ذلك في أذهانهم كأفعال مشروعة، وينسون ما سوى ذلك.

وقياسا على هذا، هناك كثير من التناقض السلوكي داخل المدرسة بين ما يدرس في الكتب ويقال باللسان، وما يمارس فعلا على أرض الواقع، فالمعلمون عادة يشجعون طلابهم على العمل سويا وعلى التعاون مع بعضهم، لكنهم عند تقديم دروسهم يصممونها على وجه يقوم على المنافسة الفردية والعمل الفردي بعيدا عن التعاون، فيعيش الطلاب جوا تربويا متناقضا، يدرسون (نظريا) قيما بعينها، ويمارس معهم (فعليا) ما يناقضها!!

المعلمون هم محصلة ثقافة المجتمع الذي نشأوا في أحضانه، وهي مع الأسف ثقافة تعلم العدوانية وترسخها في السلوك، فمن المعتاد في هذه الثقافة تحقير الصغار والاستهزاء بهم وشتمهم وتوجيه اللكمات لهم، لذا لا غرابة إن هم مارسوا (كبارا)، ما نشأوا عليه واعتادوه في صغرهم.

من هنا، نحن لا نتوقع أن ينشأ لدينا جيل متشبع بقيم التعاون والتسامح والمسالمة، ما لم نبدأ أولا بتدريب المعلمين، في المدارس الحكومية والأهلية، على اكتساب تلك القيم، فيتدربون على ضبط الانفعالات الغاضبة، ويتعلمون طرقا جديدة أفضل لتعديل سلوك طلابهم بعيدا عن العنف.