-A +A
عبدالمحسن هلال
رغم التفاؤل الذي ساد بعد قيام مؤسسة النقد بمساعدة البنوك حيال معضلة انخفاض السيولة التي عطلت حساباتها، وما تبعه من إعلان وزارة المالية قرب سداد قطاع المقاولات دفوعات كبيرة، مما سيساعد في رفع حالة نقص السيولة، إلا أنه مازالت تسود قطاعنا المصرفي حالة من عدم الثقة، البنوك لها محاذيرها وشروطها والمقترضون لديهم مخاوفهم وظنونهم، ومازال سوق الإقراض غير مستقر. النقطة المضيئة هنا انخفاض القروض الاستهلاكية، ربما بسبب الانخفاض في الرواتب، وارتفاع القروض الرأسمالية، بالخصوص تجاه قروض الإسكان وتمويل المشاريع الصغيرة بضمانات مازالت كبيرة.

فيما يخص قروض الإسكان، يعزى تلكؤ البنوك في التجاوب مع السيولة الجديدة لخفض أسعار الفائدة فيما بينها، أن محدد «السايبر» (سعر الفائدة بين البنوك الذي يسعر بناء عليه باقي القروض) مازال متروكا للبنوك وحدها لتقرره، وبالتالي يؤثر على سعر البرايم (سعر فائدة البنك على عميله)، حيث تتفاوت الملاءات المالية ويظهر التحيز لكبار العملاء، أما المقترض العادي فيرزح تحت تعنت البنوك بحجة ضمان استرداد حقوقها. عجز وزارة الإسكان عن الوفاء بوعودها وتعقد إجراءاتها ونماذجها وفئاتها المستفيدة من مشاريعها غير المنتهية، تسبب في خلق هذه السوق المضطربة، لذا لم يجد كثير من راغبي تملك سكن سوى انتظار مشاريع الوزارة، أو ترقب جداول صندوق التنمية العقارية، أو التوجه للبنوك التجارية.


الملفت هنا أنه رغم ارتفاع الطلب على السكن وسوقه الرابحة، لم يخض كثير من تجار وأثرياء البلد هذا المجال، ولم تظهر تكتلات مالية ولا شركات مساهمة عامة كبرى، ولا شركات إنشاء أو مقاولات للتعاطي مع هذا الطلب المرتفع، فهل حقا السبب ارتفاع أسعار الأراضي وحده؟ لم لا تتم المشاريع على أراض بعيدة عن المدن والشبوك، بمعنى إنشاء وتخطيط مدن جديدة وهو ما يحدث في كل دول العالم لمقابلة النمو السكاني، من المضحك القول بشح الأراضي ودولتنا بحجم قارة، ولا بد هنا من وقفة حازمة لكل من وزارتي الشؤون البلدية والمالية للحد من حيل سرقة الأراضي العامة، أما وزارة الإسكان فلا أعلم ما فعلت بالأراضي الكثيرة والكبيرة التي سلمت لها.

مشاريع ضخمة كهذه لن تستطيع البنوك وحدها تمويلها، والأمل كان في وزارة الإسكان، لكن الوزارة كبلت نفسها بوجهة نظر أصحاب العقار، بالمناسبة ما آخر أخبار رسوم الأراضي البيضاء؟ مشاريع كهذه تحتاج كونسورتيوم عالميا ليت الوزارة أشغلت نفسها بالإكثار من توليفه. إن لم ينظم سوق البناء والتعمير لدينا ويبتعد عن الحلول الفردية، سينمو مع الزمن المزيد من المباني السكنية المتنافرة الشكل واللون والتصميم فتشوه منظر مدننا وقرانا، وستتفشى أحياء عشوائية جديدة، ونحن الآن نصرف الكثير لتنظيم وتحسين القديم منها.