-A +A
عبدالمحسن هلال
هو شطر بيت لأهزوجة الشاعر المصري الهزلي بن سودون، بدايات القرن التاسع الهجري، ربما تعبيرا لأيام انحطاط الأدب العربي، تذكرته وأنا أقرأ خبر «عكاظ» الاثنين الماضي عن نجاح أمانة المنطقة الشرقية بتشغيل 42 محطة مضخات لتصريف أكثر من مليوني متر مكعب من مياه الأمطار للبحر. لكم أن تتخيلوا هذا المنظر، ليس في المنطقة الشرقية وحدها بل وغيرها من المناطق، ينتصب معمل لتحلية مياه البحر كلف الملايين، ولا يزال إنتاجه يكلف ملايين أخرى، وبجانبه تنصب محطات لتصريف مياه الأمطار إلى البحر. نهدر ملايين أخرى لمشاريع مشابهة في المدن البعيدة عن البحر، والصحراء حولها تحتاج كل قطرة ماء، وكميات أمطارنا لو أحسن تدبيرها ستحول صحارينا لغابات وستعدل طقسنا وبيئتنا.

هل من أحد يساعدني لفهم هذه الأحجية فقد عجزت عن حلها، نحن بلد فقير مائيا، يغيثنا ويرزقنا الله سبحانه بهذه الكميات المهولة من مياه الأمطار، ونجتهد نحن بتصريفها إلى البحر، ثم نعود لاستخراجها منه لتحليتها واستخدامها، وفي الحالين، التصريف والتحلية، نصرف مليارات. كيف يحدث هذا في بلد تملك عشرات الجامعات العامة والخاصة وعشرات من مراكز الأبحاث وبعضها لأبحاث إستراتيجية؟ سألت سابقا ولا من مجيب، إن فاتنا إنشاء مركز أبحاث للنفط، سلعتنا الوحيدة التي بها نعتاش، كيف يفوتنا إنشاء مركز لأبحاث المياه وهي سلعتنا النادرة التي بدونها لا يمكننا العيش؟


معظم ما لدينا من سدود لحماية المدن والقرى من مجاري السيول، ليس هناك مشروع متكامل للاستفادة من مياه الأمطار برغم حاجتنا لها. كل دول العالم، حتى ذوات الأنهار الكثيرة تعمل على الاستفادة من مياه الأمطار إلا نحن، كل دول العالم تعيد تدوير مياهها المستخدمة وقليل ما نفعل نحن. قارنوا هذا بتصريح وزير البيئة والمياه والزراعة أن فقرنا مائيا قد يضطرنا لاستيراد المياه، ألم تلاحظ الوزارة هذا الهدر الموسمي للمياه والأموال والجهود، هل فكرت الوزارة مرة بحلول غير الحلول السهلة المكلفة ماليا، هل قرأت الوزارة، أو مستشاروها، عن طرق أخرى لتوليد المياه من الرياح والسحب والرطوبة والرمل، هل علمت عن تقنيات جديدة أقل كلفة لتحلية المياه، بل ماذا فعلت لصيانة ما لدينا من مياه جوفية هي ثروتنا النادرة، ضد الاستنزاف الجائر على أيدي شركات تجارية، آخر وليس أخيرا، ما نهاية مشاريعنا للاستزراع في دول أجنبية، بل ما جدواها مع التقلبات السياسية العاصفة حاليا وربما مستقبلا؟ التفكير داخل الصندوق لن يحل أحجية التصريف والتحلية ولن يرشد هذا الهدر المائي والمالي الموسمي، وسنجلس كل موسم أمطار والماء حولنا، كأننا قوم جلوس حولهم ماء.