-A +A
طارق فدعق
بدأت يومي بوعكة صحية بسيطة بسبب كمية الدهون التي التهمتها بدون حساب في عشاء البارحة. كانت الوجبة متأخرة مما جعلني مستعدا لالتهام كميات كبيرة من الغذاء بسبب الجوع الشديد، وكان عبارة عن كمية مخجلة من اللحوم المختلفة المشبعة بكميات كبيرة من الزيت.. وكمان وجبة أرز «مقلوبة» وحتى الحلوى كانت «كريم كرامل» مقلوبة.. الشاهد أنني دفعت ثمن تلك الوليمة الكبيرة بآلام في مرارتي الغلبانة التي شهدت ما يشبه تدفق السيول. لست طبيبا، ولكنني أعلم أن مرارتي تقع على الجانب الأيمن من جسمي بجانب كبدي وكانت آلامي مركزة هناك، وكانت وكأنها «دوافير وسواطير» شغالة «أوفر تايم» طوال الليل. وتأملت في نعمة تلك التركيبة أن تكون المرارة قريبة من الكبد على الجانب الأيمن من أجسامنا جميعا لتيسير عملية الهضم. ولكن هذه العبارة ليست دقيقة، فهناك من لا تنعكس لديهم هذه المواقع.

وتحديدا فهناك حالات «التركيبة بالمقلوب» تجدها ضمن حوالي واحد في المائة ألف نسمة.. أناس تنعكس مواقع الأعضاء بداخلهم.. أكبادهم ومرارتهم على اليسار وقلوبهم على اليمين وهكذا.


وتسمى هذه الحالة «التوضع المقلوب» Situs Inversus. ولكن الأمور المقلوبة غير المتوقعة ليست مقصورة على عالم الطب فحسب، فحتى خيال الشمس يفتح مجال التأمل في الأمور المقلوبة. وهي أمور نسبية يحددها موقعنا من خط الاستواء. في الشمال يسير ظل الشمس باتجاه عقارب الساعة.. ومن هنا كان الإيحاء بتصميم حركة الساعات عبر التاريخ. وأما في جنوب خط الاستواء، فحركة ظل الشمس هي بالمقلوب.. أي عكس اتجاه عقارب الساعة.

وخلال الأسبوع الماضي قامت دولة بوليفيا في أمريكا الجنوبية بوضع الساعة الرئيسة على مبنى الحكومة في العاصمة «لاباز» لتكون حركتها بالمقلوب، أي بعكس اتجاه عقارب الساعة كما نعرفها.. فضلا تخيل الساعة وبداية الأرقام من يسار الساعة 12 ليصبح التسلسل الرقمي على يسار الساعة بدلا من يمينها كما عهدنا.. ولكن الموضوع لا يقتصر على ما في الأرض فحتى في الفضاء نجد بعض القصص الطريفة في خضم موضوعنا. قبل حوالي 55 سنة عند إطلاق أول مركبات فضائية، كانت هناك اعتبارات تصميمية حيال تصميم النوافذ لكي يشاهد رواد الفضاء كوكب الأرض أثناء دورانهم حوله. وكانت هناك دواع إنشائية أساسية لتقليص الفتحات في مركبات الفضاء مما تعارض مع ضرورة تمكين الرؤية الخارجية. وجاء الحل أن تسير المركبات بالمقلوب عندما تستقر في مدارها حول الأرض لأن في حالة انعدام الجاذبية لا يوجد فرق بين فوق وتحت.

أمنيـــــــة

وهناك ما هو أهم من هذا وهو الوضع المقلوب في المجتمعات في عالمنا اليوم.. بعض الحكومات التي تدعي أنها تمثل الناس وتدافع عنهم لا تتردد في استخدام السلاح لقتلهم كما هو حاصل في الشقيقة سورية.. وبعض ممن يدعي ممارسة الديمقراطية يمارس أسوأ أنواع القمع ضد الناس الآمنين في بيوتهم كما هو حاصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. أتمنى أن يصلح الله عز وجل هذه الأمور المقلوبة وينصر المظلومين.

وهو من وراء القصد.