-A +A
خالد عباس طاشكندي
أوضحت نتائج استبيان أجرته أخيرا «بيت.كوم 2016» للتوظيف، حول التقدم الوظيفي للعاملين في المؤسسات والشركات في الشرق الأوسط بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، أن تجاهل الشركات والمؤسسات الخاصة عقد الدورات التدريبية لموظفيها بشكل دوري، وعدم اكتسابهم مهارات جديدة، أدى إلى التسرب الوظيفي لأكثر من 82% من العاملين في هذه المؤسسات، بحثا عن فرص وظيفية أخرى، قد تتيحها الجهات الحكومية، وهو ما يؤكد دوماً على وجود خلل في قضية توظيف السعوديين في القطاع الخاص والذين لا تتجاوز نسبة العاملين منهم في هذا القطاع 17% بحسب ما ذكره نائب وزير العمل والتنمية الاجتماعية أحمد الحميدان عبر تصريح صحفي في أكتوبر الماضي، وهذه المؤشرات تعطي دلالات على أن معالجة وزارة العمل لملف السعودة في القطاع الخاص تجابهها مشكلة أخرى وهي «التسرب الوظيفي».. فأين مكمن الخلل؟!

للأسف.. إن عدم استثمار قطاعات العمل السعودية في دعم إستراتيجيات «التدريب» بشكل كافٍ، كان له دور كبير في زيادة نسب البطالة، وعدم السعودة، وضاعف من الاعتماد على الاستقدام من الخارج حين كانت تجارة التأشيرات التي أغرقت السوق بالعمالة ذات الأجر المنخفض رائجة في القطاع الخاص إلى وقت قريب، وهذا الوضع اختلف الآن مع القيود النظامية الجديدة التي حدت بشكل كبير من هذه الممارسات، وباتت تفرض على القطاع الخاص نسب توطين مرتفعة لإصلاح الخلل والتشوهات الحاصلة في سوق العمل ولخدمة أهداف رؤية المملكة 2030.


ولذلك فإن الحلقة المفقودة في مسألة توطين القطاع الخاص وما ينتج عنها حالياً من تسرب وظيفي، تكمن في عامل «تدريب» الموارد البشرية، أو القوى العاملة في قطاعات العمل، وهي أهم مورد داخل أي منظمة في العالم بحسب ما تؤكده الدراسات، حيث تبنى تنمية الموارد البشرية على عدة أسس رئيسة تبدأ تسلسليًّا بـ «تقنين الوظائف، وتحديد الوصف الوظيفي»، «اختيار مرشحين للوظائف»، «المقابلة الشخصية، واختيار الموظفين حسب مؤهلاتهم ومهاراتهم»، ثم «تدريب الموظفين حسب متطلبات الوظيفة»، وذلك بحسب ما جاء في كتاب (إدارة الموارد البشرية، الطبعة 12، 2011) لجاري ديسلر وهو من أهم المراجع الصادرة في مجال تنمية الموارد البشرية خلال السنوات الأخيرة.

وهذا ما أكده أيضاً الخبير في إستراتيجيات إدارة الأعمال أستاذ الإدارة في جامعة هارفارد البروفيسور روبرت كابلان في محاضرة نظمتها غرفة الرياض مطلع الشهر الجاري، بعنوان «تحديات وآليات تنفيذ الرؤية الإستراتيجية في أوقات التحول - دروس للحكومة والقطاع الخاص»، وقال خلالها إن تحقيق أهداف «رؤية 2030»، يستدعي المزيد من الاهتمام بتطوير قدرات الكوادر البشرية والعمل على إيجاد الحلول الملائمة للتحديات التي تواجه عملية التحول الاقتصادي، وكذلك الاعتماد على المعرفة كعنصر مهم للوصول إلى النجاحات المطلوبة، مبيناً أن النقص في الكوادر القيادية وعدم القدرة على قياس الأداء بفعالية يشكلان أبرز التحديات التي تواجه تنفيذ إستراتيجية الرؤية، لافتاً إلى أهمية تدريب ورفع قدرات ومهارات الموارد البشرية.

وما ذكره البروفيسور كابلان منطقياً، لأن نقص المعرفة والكوادر القيادية أفقد العديد من الشركات في القطاع السعودي الخاص بعد النظر في بناء إستراتيجيات التوظيف، وبالتالي كان السائد في عمليات التوظيف اشتراط عامل الخبرة واستقطاب العمالة الأجنبية المؤهلة والأوفر اقتصاديا، بعكس الشركات الناجحة حول العالم التي ركزت على زيادة ميزانيات تدريب وتأهيل مواردها البشرية سنوياً وحصدت أضعاف ما أنفقته في هذا المجال، وبحسب دراسة تصنيفية أجرتها (Training Magazine) عن أفضل 125 شركة أمريكية في مجال تدريب وتأهيل الكوادر خلال 2016، تجاوز المتوسط العام لميزانيات التدريب في تلك الشركات المصنفة في القائمة معدل 5.96% من إجمالي الرواتب، وهذا المعدل في الإنفاق على التدريب يزداد سنوياً، حيث كان متوسط ميزانيات التدريب لأفضل 125 شركة أمريكية في 2012 (2.9%) من إجمالي رواتب الموظفين.

ولذلك، يقع على عاتق وزارة العمل والجهات المعنية بتنفيذ متطلبات رؤية السعودية 2030 إطلاق عدد من التشريعات التي تفرض على شركات القطاع الخاص ميزانيات سنوية لتدريب وتأهيل مواردها البشرية وفقاً لمعايير تضمن تحقيق الجودة الشاملة، كما يجري في الدول التي حققت منظومة فاعلة للتنمية المستدامة، أما بالوضع الحالي فيبدو أننا نعالج مشكلة السعودة في القطاع الخاص مقابل خلق معضلة أخرى موازية لها في الهدر الاقتصادي وتعطل خطط التنمية والإصلاح الاقتصادي المنشود.