-A +A
جميل الذيابي
زخم جديد أضفته جولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز على العلاقات التاريخية الوثيقة أصلا مع دول الخليج العربي.

لم تكن جولة عادية، بل كانت استثنائية بكل المقاييس؛ إذ إنها الأولى التي يقوم بها عاهل سعودي لعدد من دول الخليج في آن معا.


كما أنها أول جولة طويلة نسبيا يقوم بها الملك سلمان بن عبد العزيز منذ توليه مسؤوليات الحكم. ولو أنها أسفرت عن تمتين العلاقات بين المملكة وكل من الدول التي شملتها فإن ذلك يكفيها نجاحا وتحقيقا لأهدافها الإستراتيجية.

وقد رأينا كيف حظي خادم الحرمين الشريفين باستقبال رسمي وشعبي حاشد في أبو ظبي، والدوحة، والمنامة، والكويت. استقبال نبضت به تلك الدول الشقيقة حبا، واحتراما، وتقديرا لملك المملكة العربية السعودية، الذي يبذل جهودا كبيرة للوفاء بالتزاماته تجاه الخليج، والأمة العربية، والعالم الإسلامي، فضلا عن مسؤوليات المملكة الكبيرة حيال المجتمع الدولي، والاقتصاد العالمي، وأسواق النفط. وكانت تلك الاستقبالات والحفاوة والمحادثات الناجحة التي أجراها في تلك العواصم تأكيدا لصلابة البيت الخليجي، وإدراكا من القادة الخليجيين بخطورة التحديات التي يتعين أن تواجهها الكتلة الخليجية وهي متماسكة، وواعية بأنها يجب أن تصد تهديدا وجوديا يتربص بها من اتجاهات عدة، وعنوانه الأبرز التوسع الإيراني، ومساعي طهران لنشر الفتنة الطائفية، وتأجيج الخلافات المذهبية.

ولعل جولة الملك سلمان أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن البيت الخليجي أضحى بالفعل الكتلة العربية الوحيدة الصلبة والمتماسكة، القادرة على مواجهة المشكلات، وتجاوز الأزمات، ومجابهة التحديات. وتلك الصلابة هي التي نجم عنها توجيه الصفعات، بل اللكمات القوية للمحاولات اليائسة من جانب طهران لاختراق تلك الكتلة القوية.

فخلال العام الماضي، جوبهت إيران، وتم قطع العلاقات معها، وحوصرت في اليمن، وتتكبد وميليشياتها خسائر كبيرة في سورية، وهُشمت علاقاتها مع الدول الصديقة في الخليج والعالمين العربي والأفريقي. وها هو حلم الملالي بتنصيبهم شرطيا على المنطقة مع وصول دونالد ترمب لرئاسة أمريكا يتداعى بعدما أكدت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي لقادة دول الخليج خلال قمتهم الأخيرة في المنامة أن بلادها تقف بصلابة مع دولهم وشعوبهم لوقف التهديدات الإيرانية.

كانت جولة الملك سلمان في الخليج تحية من المملكة لتلك الدول وفاء بوفاء، ليحق القول إنه فعليا ملك الحزم، وأشقاؤه الخليجيون هم فعليا قادة العزم. وكان الأوبريت الذي قدم في الكويت احتفاء بزيارة خادم الحرمين الشريفين شهادة على تلك المعاني، وتجسيدا لتلك اللحمة. وقد كتب الصديق خلف الحربي الكاتب في هذه الصحيفة مشهدا كوميديا بعنوان «الجيران»، في الحفل الذي أقامته دار الأوبرا الكويتية بمناسبة زيارة خادم الشريفين للكويت. وأكد المشهد تطلع الشعوب الخليجية إلى الاتحاد الخليجي- وأن شعارات «خليجنا واحد.. ومصيرنا واحد» لا تزال مرفوعة بالحماسة نفسها منذ تكتل القادة الخليجيين في عام 1981، وأن الخليج بحاجة حقيقية إلى اتحاد قوي. ولكن لا بد أن يسبقه إعداد قوي للوصول إلى الاشتراطات اللازمة، وتجاوز البيروقراطية المحبطة. وتأتي هذه التطلعات وقد غدا المواطن الخليجي واعيا متعلما مدركا لحجم التحديات والمخاطر، ويجب أن تكون هناك مساندة ودعم لهذا المواطن الخليجي الذي أثبتت الخطوب والأزمات قمة ولائه، وثقته بقادته، والتصاقه بمواقف بلدانه في أحلك الظروف. ولذلك فهو جدير بأن يرى اتحادا خليجيا حقيقيا وذا أسنان حادة، وليس شعارات تطلق في المناسبات وعلى شاشات الفضائيات بلا حقيقة ملموسة على أرض الواقع.

jameelth@gmail.com