-A +A
عيسى الحليان
ذكر لي أحد الأصدقاء في إحدى الوزارات ذات العلاقة أن ممثل وزارة واحدة هو الذي اعترض في أحد الاجتماعات على فكرة حصر تراخيص محطات الوقود على الطرق العامة على شركات أو مؤسسات متخصصة آنذاك، وذلك قبل نحو ثلاثة أو أربعة عقود، ولا أريد إكمال بقية القصة وتفاصيلها، لكن ما أريد أن أقوله إن خطأ واحدا يمكن أن يكلف البلاد الكثير من المال والجهد والزمن في رحلة العودة إلى نقطة البداية، وعليك أن تتخيل لو اتخذ هذا القرار مثلا في ذلك الوقت وفقا لرأي بقية الوزارات الأخرى، كيف ستكون حال هذه الطرق والمحطات الآن، هذا مثال بسيط، أتمنى من معهد الإدارة العامة أن يفرد في مناهجه فصولا لمثل هذه القصص والتجارب التنموية الحية، سواء المريرة منها أو الناجحة، ولا نحتاج هنا إلى ذكر الأسماء أو الجهات، خصوصا أن هذه الحقبة قد زخرت بحكايات أشبه ما تكون بالأساطير من مختلف نماذج الإدارة والتنمية التي يعرفها الجميع والتي حصلت خلال نصف قرن في أساليب إدارة دفة التنمية، وهي تجارب مأثورة ومعلومة نسمعها من أرباب الإدارة والتنمية على مختلف مستوياتهم، لكن للأسف لم يتجرأ أحد على طرح تجربته أو تدوين خبرته، خصوصا من جيل الرواد، سوى المرحوم غازي القصيبي، وإن كانت على خفيف، رغم ذلك فإن هذا الكتاب يظل مرجعا من مراجع الإدارة في البلاد، وبغياب هذه المؤلفات في أدبياتنا تندثر مثل هذه التجارب والخبرات ويموت أصحابها ودهاقنتها وتموت معهم أسرارهم وتجاربهم، خصوصا أن بعضها كانت قاسية ومكلفة، وهو ما يفترض توثيقها من قبل الجيل السابق أو الحالي، إذ يكاد ينعدم التوثيق الإداري والتنموي تماما لهذه المرحلة، علما بأن بعضها كانت تجارب ممتازة وتاريخية، كتجربة الجبيل وينبع، وإصرار الدولة على تنفيذها رغم ما صاحبها من مصاعب وعقبات وتحديات لم تؤرخ لا هي ولا السياقات الإدارية والمالية التي صاحبتها، ولا أدري هنا لمن يوجه مثل هذا اللوم، وما دور المؤسسات الثقافية والتعليمية والإدارية في هذه المسألة التي لا يقصد من فكرة رصدها سوى الاستفادة من تجاربها وخبراتها الثمينة، ووضعها في خدمة تاريخ التنمية والجيل اللاحق، وهي التي لا يمكن أن تتكرر بصورتها السابقة بأي حال، فخلاف كونها مسألة ساقطة من دفاتر التنمية، إلا أننا نحتاجها لاحقا أيضا في عمليات التطوير المؤسسي في برامج التنمية ككل، وفي تخصصات علم المال والإدارة في البلاد بدلا من المناهج النظرية التي تحتوي في معظمها على تجارب وخبرات الآخرين، ونماذج سطرها علماء الإدارة في الخارج، والتي تشكل العمود الفقري لكل مناهج الإدارة المعاصرة في البلاد مع غياب أي رديف أو نموذج محلي حي يحاكي هذه التجارب الخارجية أو يضيف عليها.