-A +A
عبدالمحسن هلال
لم يكن أحد ليصدق أن المعضلة النفطية كمنت في 1.7 مليون برميل فائضة في السوق، لكن هذا ما قيل، فعمد المنتجون خارج وداخل أوبك لخفض الإنتاج أكثر ليبلغ 1.8 مليون برميل لفرض إعادة التوازن. ما لم يقل كان همسا عن لعبة أمريكية انطلت لفترة على الدول المنتجة للنفط ثم تبينت حلقاتها فكانت سببا لاتفاق فينا التاريخي الأسبوع الماضي. منذ العام 2011 دخلت أمريكا على خط الإنتاج العالمي للنفط بعد أن أمنت في مخازنها الإستراتيجية ما يكفي حاجتها لأربع سنوات، بدأت بالمناورة على السعر سواء باستخدام ورقة النفط الصخري أو الامتناع عن الشراء لخلق فائض يدفع الأسعار للهبوط، ومضت في تخطيطها فنصحت البعض بالدفاع عن الحصص، ومنحت إيران امتيازات لدفعها زيادة حصتها لما قبل العقوبات، شجعت تهريب النفط من العراق ونيجيريا ومواقع الصراع الأخرى، وقادت حملات المضاربة في موانئ استيراد النفط، فزاد الفائض وتدهورت الأسعار.

ظنت أمريكا، وظن أمريكا سيئ كله، أن خفض أسعار النفط سيعمل لمصلحتها، تصورت أنه سيطرد منافسيها من السوق فيزداد الطلب على بضائعها وستخرج وحدها منتصرة من الركود العالمي الحالي. يهم أمريكا، وقد خزنت ما تحتاج، أن تبقى الأسعار متدنية، فهي من الدول العشر المهددة بنضوب النفط، بلغ احتياطيها أوجه هذا العام نحو 36 مليارا، وإذا استمر قانون حظر الاقتراب من احتياطات الرصيف القاري الخارجي، فإن احتياطيها المؤكد سينفد خلال عقد واحد (الأرقام الإلكترونية، 3 ديسمبر) صحيح أنها تعمل جاهدة لإيجاد بديل للنفط، إلا أنه مازال مكلفا اقتصاديا ويحتاج زمنا، وحتى لو وجد سيظل يهم أمريكا إضعاف منافسيها، اقتصادها، وقد أصيب بعجز ودين مزمن، تستهلك أكثر مما تنتج، لا يمكنه العمل في ظل المنافسة الكاملة، فتعمل هي على إنقاص بعض شروطها باللعب على درجات مرونة الطلب العالمي للنفط.


العجيب هنا، أنه برغم امتلاك أمريكا لأفضل الجامعات ومراكز الأبحاث الإستراتيجية، لم تعرف أن النظام الاقتصادي العالمي، الذي ساعدت هي في تثبيت أركانه، أصبح يعمل بنظرية الأواني المستطرقة كنتيجة بديهية للعولمة وتدويل النظام الاقتصادي، وهي نتيجة ساهمت أمريكا في فرضها، لم يدرك إستراتيجيو أمريكا أن أطراف النظام الاقتصادي العالمي ومراكزه تتأثر بشكل متداخل ومباشر. ارتفاع أسعار النفط أبطأ النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي لم تجد البضائع الأمريكية من يشتريها فبارت، انقلب السحر على الساحر، بأن عوار النظرة الأمريكية وضيق أفقها، ضج العالم، منتج ومستهلك للنفط من أزمة الأسعار، فرضخت أمريكا ورفعت ضغوطها السياسية فعاد التوازن في سوق النفط ضمن الأطر المتفق عليها للمنافسة، والسر ليس في كمية الخفض نظرا لتواضعها، بل في كشف موقف أمريكا وخسارتها المباشرة منه، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.